الحرية كغسيل الفندق: مغاربة يتنفسون عدالة ويناضلون من أجل التعبير
في الثالث من ماي 2025، يوم الحرية العالمي للصحافة، يتردد صدى مقولة جان جاك روسو الفلسفية في أعماق وجدان الجيل الجديد للصحافة المغربية: “الحرية كالأكسجين، هي إكسير الحياة، تعطي الحياة للكائنات وتخنق الطفيليات”. هذه الكلمات، التي حملتها كشعلة مضيئة منذ أيام الدراسة الثانوية، حين كنت أدخل قاعة الفلسفة بقلم رصاص وورقة مستعارة، أناقش أستاذتي في أفكار الفلاسفة، لم تكن مجرد سنوات رصاص على الورق. كانت بمثابة بوصلة أرشدتني خلال خمس سنوات من العمل الصحفي الاحترافي، حيث اكتشفت أن الحرية ليست هدية تُمنح، بل غاية تُنتزع بنضال يومي رفقة زميلتي سناء. هذه الرؤية تتطابق مع الحكمة الشعبية المغربية: “الحرية كتقام بغسيل الفندق”، أي أنها تتطلب جهداً متواصلاً، صبراً تراكمياً، وإيماناً لا يلين بأن الحرية هي حق يُكتسب بالعرق والتضحية.
المغرب: منبت الأحرار وميدان النضال
في المغرب، أرض الأحرار التي يفتتح نشيدها الوطني بـ”منبت الأحرار”، يخوض الصحفيون معركة متعددة الجبهات. هذه المعركة ليست فقط ضد القيود الرسمية التي قد تفرضها السلطات أحياناً، بل ضد تحديات أعمق تتجذر في بنية المجتمع نفسه. هناك تحيزات اجتماعية راسخة، تتمثل في مقاومة التغيير من قبل فئات متمسكة بالوضع الراهن، وهناك لوبيات الريع التي تستفيد من استمرار الفوضى المنظمة، ومستفيدو الاسترزاق الذين يرون في الحرية تهديداً لمصالحهم الضيقة. هذه القوى، التي تحاول إقناعنا بأن الواقع الحالي هو قدر محتوم، تقف كحاجز أمام طموح شعب يتوق إلى العيش الكريم.
لكن المغرب ليس مجرد أرض تاريخية؛ إنه وطن سبق عصره بحداثته. الدولة، التي تسعى إلى اللحاق بركب التنمية، أدركت أن التغيير لم يعد خياراً بل ضرورة. وفي قلب هذا التحول، يبرز جيل جديد من الصحفيين الأحرار، اختارتهم الأقدار ليكونوا مشاعل تنير عتمة إعلامية أرادها البعض أن تستمر على حساب مصلحة الجمهور. هؤلاء الصحفيون، الذين رفضوا إغراءات المال والنفوذ، وتصدوا لمحاولات السياسيين التأثير على خطهم التحريري، يغامرون بحياتهم في الأماكن المعتمة – سواء كانت أزقة الفقر، أو دوائر الفساد، أو حتى ساحات المواجهة الفكرية. إنهم لا ينتظرون جوائز أو أضواء الشهرة، بل يناضلون من أجل وطن يضع المواطن فوق كل اعتبار، ومن أجل مجتمع يتنفس هواء الكرامة.
جيل جديد: عيون ثاقبة وقلوب شجاعة
هذا الجيل الجديد، الذي يتوق إلى الحرية أكثر من آبائه، يمتلك وعياً حاداً يمكنه من فك شيفرات الخداع. إنه جيل يدرك لعبة انتحال الثقة، حيث يتستر البعض خلف شعارات براقة لتمرير مصالح شخصية. إنه جيل يلاحظ، يسجل، ويميز بين الصالح والطالح، بين من يخدم الوطن ومن يستغله. هؤلاء الشباب، الذين نشأوا في عصر التكنولوجيا والتواصل السريع، يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي كسلاح لمواجهة التفاهة والفساد. إنهم يعلمون أن المعركة الحقيقية ليست مع “المخزن”، كما يُروج أحياناً، بل ضد مستنقع المتطفلين على المهنة – أولئك الذين يسيئون إلى الصحافة بتجارتهم بالحقيقة، ويحاولون إقناع “convicing” الشعب بأن الظلم هو قدره.
لكن المغرب ليس مِلكاً لفئة تستأثر بالثروات والنفوذ. المغرب هو ملك كل مواطن يحلم بالعدالة، وهو صوت كل مظلوم في هذا العالم. إنه أرض تحتضن الأحرار، وتزرع الأمل في قلوب من يؤمنون أن الحياة لا تكتمل إلا بالحرية. هذا الإيمان هو ما يدفع الصحفيين اليوم للمطالبة بتحيين قوانين الصحافة والنشر، ليس فقط لتحسين ظروف عملهم، بل لضمان أن تظل الصحافة صوت الشعب لا أداة في يد النخب. وهم يدركون أن هناك قوى حية داخل المجتمع – من منظمات مدنية، ونشطاء، ومواطنين عاديين – تدعم حريتهم وتثمن دورهم في تعزيز البناء الديمقراطي الذي يحتاجه البلد للأجيال القادمة.
الحرية: فرض كفاية ونضال تراكمي
إن الحرية، كما يقول المثل الشعبي، تشبه “غسيل الفندق” لأنها تحتاج إلى التزام يومي، كمن ينظف باستمرار ليحافظ على النقاء. إنها، بمعنى آخر، كفرض كفاية في المجتمع الإسلامي، مثل البحث العلمي أو توديع الراحلين في صلاة الجنازة. ليست كل الأفراد ملزمين بأدائها، لكن يجب أن يتطوع البعض لتحقيقها لصالح الجميع. الصحفيون الأحرار في المغرب هم هؤلاء المتطوعون، الذين اختارتهم الأقدار ليكونوا صوت الحق في زمن الضجيج. إنهم يضيئون الطريق لمجتمع يرفض أن يظل رهينة إعلام مغشوش، يخدم مصالح فئة قليلة على حساب الجمهور.
هذا النضال ليس سهلاً. الصحفيون يواجهون تحديات اقتصادية، اجتماعية، وأحياناً قانونية. لكنهم يواصلون لأنهم يؤمنون أن الحرية هي الأكسجين الذي يحيي الأمم. إنهم يعلمون أن كفاحهم التراكمي سيجفف مستنقع المتطفلين، وسيعيد صياغة مفاهيم الصحافة لجيل صاعد يرفض الشعارات الجوفاء. هذا الجيل، الذي يشاهد ويحلل، يدرك أن على هذه الأرض ما يستحق النضال من أجله: وطن يضمن العيش الكريم، ومجتمع يتساوى فيه الجميع أمام العدالة.
مغرب الأحرار: صوت العالم المظلوم
في هذا اليوم العالمي، نحتفل بمغرب يصنع مستقبله بأقلام حرة وقلوب شجاعة. إنه مغرب يقول للعالم: نحن هنا، نناضل من أجل الحرية، نزرع الأمل، ونبني وطناً للجميع، لا لفئة تستأثر بالنور. إنه مغرب يتجاوز حدوده ليصبح صوت كل مظلوم، منارة للعدالة، وملاذاً لمن يؤمنون أن الحرية هي جوهر الحياة. هذا الوطن، الذي يتنفس عدالة ويناضل من أجل التعبير، يثبت أن الحرية ليست مجرد كلمة، بل مشروع حياة يتطلب التضحية والإصرار.
فلتستمر الحرية كغسيل الفندق، تُنتزع يوماً بعد يوم، حتى يتنفس كل مغربي هواء الكرامة، وحتى يظل المغرب منبت الأحرار، حاملاً راية الحق والعدالة للعالم أجمع. إنها دعوة لكل مواطن، لكل شاب، لكل امرأة ورجل، أن يكونوا جزءاً من هذا النضال، لأن الحرية التي نزرعها اليوم هي الأكسجين الذي ستتنفسه أجيال الغد.
Comments ( 0 )