الروابط و العلاقات داخل الأسرة و الجورة و العمل لدى المغاربة (تحيين)
يشكل فهم التطورات المجتمعية مجالا للرصد الاستراتيجي داخل المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية، الذي يهدف إلى تحديد الديناميكيات العاملة في المجتمع المغربي، لا سيما في ما يتعلق بتطور الروابط الاجتماعية ونظام القيم، وظروف العيش المشترك السلمي، والعلاقات مع المؤسسات.
و في إطار البرنامج الصادر هذا الأسبوع حول دراسة “العلاقات الاجتماعية في المغرب: أي دور للدولة وكل الفاعلين الاجتماعيين؟”، أجرى المعهد الملكي، المسح الوطني الثالث له حول الروابط الاجتماعية، بناءاً على البيانات الواسعة النطاق التي تم تجميعها و تحليلها منذ 2011، حيث مكّن الإصدار الثالث المعهد من تجميع معرفة متعمقة بالمجتمع المغربي، والتي يمكن أن تكون مفيدة لفهم الخيارات الاستراتيجية للمملكة بشكل أفضل في المستقبل القريب و المتوسط.
و من خلال كشف النتائج عبر النسخة الثالثة للبحث الوطني حول الرابط الاجتماعي، الذي يقيس الروابط الأسرية، والصداقة، والجوار، والعمل، ومدى الاهتمام بالسياسة.
أبرز البحث الذي استند على عينة تمثيلية تضم 6000 شخصا تفوق أعمار 18 عاما، أن الاستقرار النسبي للنموذج المجتمعي المغربي يتجلى في تميز الرابط الأسري على بقية الروابط الاجتماعية الأخرى وتأثير التقاليد والتمسك برموز الهوية الوطنية، وضعف اهتمام المواطنين بالسياسة والانتخابات والطابع المادي للمطالب الاجتماعية والتواكلية كعلاقة بالدولة.
نتائج الكشف عن الروابط الاجتماعية وتأثير الجائحة:
سجل البحث الذي انطلق في الربع الثاني من 2022، وتم إنجاز الدراسة الميدانية ما بين شهري دجنبر 2022 وفبراير 2023، تحسنا متفاوتا في الروابط الاجتماعية موضوع الدراسة بين عامي 2011 20239؛ حيث يظل الرابط الأسري أقوى رابط اجتماعي إلى حد بعيد، بينما لا يزال الرابط السياسي الأكثر هشاشة ضمن الروابط الاجتماعية كلها.
وأشار المعهد إلى أن التغييرات التي أحدثتها العولمة الثقافية والثورة التكنولوجية بعيدة كل البعد عن زعزعة التمثلات الفردية والهوية الوطنية المغربية ومع ذلك، تجدر الإشارة أن تأثيرها على الرابط الاجتماعي آخذ في البروز بشكل أوضح في صفوف سكان المناطق الحضرية والأجيال الشابة والأفراد ذوي الرأسمال الثقافي أو الاقتصادي العالي.
وسجل البحث أن جائحة كورونا أثرت من خلال الأعراض الاجتماعية والعاطفية المصاحبة لها على المنظومة القيمية للمغاربة وتمثلاتهم الثقافية.
و اعتبر المعهد أن إعادة اكتشاف معنى الأسرة والتضامن الوطني والعيش المشترك والرابط المدني تجاه المؤسسات والسلطات العمومية شكل جزء من الآثار الإيجابية لجائحة كورونا على المغرب.
ومع ذلك، ساهم فرض التباعد الاجتماعي وبروز بعض مظاهر التوتر على مستوى الأسرة النووية العنف الأسري أو العنف ضد الأطفال، وتنامي حالات الطلاق، والصحة العقلية، وما إلى ذلك في إحداث بعض التراخي للرابط الاجتماعي كما يعتقد أكثر من %70 من المغاربة وفقا لبحث عام .2023
واعتبر التقرير أن تدابير التباعد الاجتماعي أسهمت في تفاقم بعض الظواهر الاجتماعية مثل الطلاق حيث أشار ما يقرب من 54 بالمائة من المغاربة إلى أن جائخة مورونا هي أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الطلاق.
العلاقات داخل الأسرة والجورة والعمل
أبرز البحث أن الأسرة لم تعد ملاذا للدعم المعنوي للأفراد فحسب، بل أضحت أيضا مجالا للتكافل المادي بين أفراد الأسرة، إذ أفاد %91 من المصرحين أن الأسرة تقدم الدعم المعنوي، و%85 بمواصلة رعاية أطفال الأسرة الآخرين، وصرح %81 باستمرار مساعدة أفراد الأسرة الآخرين في العثور على عمل، %69 بتقديم المساعدة المالية لإنشاء مقاولة.
وأكد التقرير أنه وعلى الرغم من أن دور الأسرة لايزال هو العامل الأهم في بناء راوبط الصداقة، إلا أنه تراجع بشكل ملحوظ من %88 عام 2023 إلى %57 عامي 2011 و2016.
وفي ما يخص نوعية الجوار، كشف البحث أن غالبية المغاربة يفضلون “مرحبا وليبق كل واحد ف بيته”، حيث سجل التقرير أن التعارف المباشر بين الجيران والتواصل مع بعضهم البعض انخفاضا ملحوظا وهو ما يؤكد النزوع نحو مزيد من التباعد الاجتماعي.
من ناحية أخرى كشف البحث أن قوة الرابط الاجتماعي في الوسط المهني لا تزال مرتفعة على الرغم من الانخفاض الطفيف في نسبة المغاربة الذين يعتبرون أن علاقاتهم مع زملائهم في العمل جيدة (%76 في عام 2023 مقابل %88 في عام 2016) مما يؤشر على وجود مناخ اجتماعي سلمي في ليلة العمل سواء بالقطاع العام أو الخاص.
عن وضعية المرأة ومدونة الأسرة:
بخصوص وضعية المرأة بالمجتمع المغربي اعتبر البحث حوالي %90 أن أسباب العنف ضد المرأة ذات طابع ثقافي من قبيل البيئة الأسرية والثقافية والتربية والمستوى التعليمي للزوج، أكثر منها مادي.
وأضح التقرير أن تحقيق المناصفة بين الجنسين في المؤسسات التمثيلية يتطلب معالجة العوامل الثقافية المتعلقة بالتقاليد والصور النمطية القائمة على النوع الاجتماعي بالنسبة لـ %33 من المستجوبين، ويعتقد %25 أن الأمر يتعلق بتحسين جاذبية الأحزاب السياسية عند النساء، في ما يرى %20 أن تحقيق المناصفة تتطلب تأهيل المؤسسات الحزبية.
ويرى ما يقرب من ثلاثة أرباع المغاربة أنه ينبغي اعتماد سلسلة من التدابير الجديدة لزيادة تحسين وضع المرأة، وعلى وجه الخصوص، يعتقد %70 أنه ينبغي مراجعة مدونة الأسرة، حيث اعتبر %21 منهم أنه ينبغي مراجعة مدونة الأسرة.
هذا ومنحت المواقف بشأن الإصلاحات الجديدة الواجب إجراؤها لتحسين وضع المرأة في المغرب الأولوية للمساواة بين الزوجين كمنظور للإصلاح، لا سيما فيما يتعلق بـ”تقاسم الممتلكات المكتسبة أثناء الزواج” بـ %32، وإجراءات الطلاق” بـ 20 بالمائة أما الوصاية على الأطفال في حالة الطلاق فقد ذكرها %13 من المغاربة، وذكر %12 منهم تحديد مبلغ النفقة في حالة الانفصال الزوجي.
وتم كذلك ذكر المسائل المتعلقة بزواج القاصرات ووضع الأطفال المولودين خارج إطار الزواج من قبل %11 و %12 من المغاربة على التوالي.
التقرير المنجز لم يفوت دراسة التطورات التي همت مغاربة العالم، حيث أورد المعهد عبر تقريره أن من بين %53 من المغاربة الذين لديهم أفراد من عائلاتهم يعيشون أو يعملون في الخارج، فإن ثلاثة أرباعهم تقريبا على اتصال بأقاربهم المغتربين مرة واحدة على الأقل شهريا، مما يدل على وجود ارتباط عائلي لا يتلاشى رغم بعد المسافة.
كما أبرز الكشف الأخير أن أكثر من ثلاثة أرباع المغاربة تجمعهم علاقات “ممتازة” أو “جيدة” مع أفراد أسرهم الذين يعيشون في الخارج.
ويرتبط المغاربة في جميع أنحاء العالم ارتباطا قويا ببلدهم، كما يتصوره أفراد الأسرة الذين يعيشون في المغرب، إذ يظهر متوسط الآراء التي تم جمعها درجة عالية جدا من الارتباط بين مغاربة العالم وبلدهم الأصلي، حيث تصل إلى 8 نقاط من أصل 10.
Comments ( 0 )