الصحفي المهني في المغرب.. بين رهانات القانون الجديد وتحديات الواقع

الصحفي المهني في المغرب.. بين رهانات القانون الجديد وتحديات الواقع

 

 

 

في ظل زخم التحولات التي يعرفها المشهد الإعلامي المغربي، يجد الصحفي المهني نفسه أمام سؤال ملح: هل ما يزال لمهنيته معنى؟ بين صعود المؤثرين وانهيار معايير الجودة داخل بعض المنصات وتقلبات سوق الإعلانات، تتآكل الحدود بين الصحافة كمهنة وبين المحتوى كسلعة.

 

اليوم، ومع قرب صدور قانون جديد ينظم الحقل الإعلامي تتجدد الآمال كما تتعاظم المخاوف. فهل سيعيد هذا القانون الاعتبار للصحفي المهني؟ أم سيكون مجرد محاولة أخرى لتقنين الرقابة تحت مسمى التنظيم؟ وفي ظل الغموض الذي يكتنف تفاصيله يطرح المهنيون أسئلتهم بقلق: ما موقع الصحفي المهني في هذا القانون؟ وهل سيكون القانون حصناً يحميه أم قيداً يطوقه؟

 

واقع الصحفي المهني اليوم

 

الصحفي المهني في المغرب يعيش مفارقة حادة. فمن جهة، يطلب منه الالتزام بأعلى معايير الدقة والأخلاق ومن جهة أخرى، يترك في مواجهة الهشاشة الاقتصادية، والضغوطات المؤسساتية وأحياناً بعض المضايقات السياسية.

 

إلى جانب مشاكل الأجور غير المستقرة أو الهزيلة أو أحيانًا المعدومة، يواجه الصحفيون تحديات أخرى مثل عقود العمل غير المضمونة وضعف التكوين المستمر. كما يفتقرون إلى حماية قانونية حقيقية في مجالات التحقيقات وكشف قضايا الفساد.

 

في هذا الصدد، يجد الصحفي المهني نفسه وسط ساحة إعلامية يغلب عليها طابع “الاستسهال”، حيث يحظى أصحاب العناوين المثيرة والمحتوى الخفيف بمتابعة أوسع ودعم أكبر، بينما يتراجع المحتوى الجاد. وفي ظل المنافسة الحادة من طرف المؤثرين وصانعي المحتوى الرقمي، يصبح الصحفي المهني مهدداً في وجوده المهني ذاته.

 

القانون الجديد.. بين التسريبات والانتظارات

 

رغم عدم صدور نسخة رسمية من مشروع القانون المرتقب، فإن الأحاديث الجارية داخل الأوساط الإعلامية تشير إلى توجه الدولة نحو تنظيم أكثر صرامة للقطاع، خاصة على مستوى الصحافة الرقمية. و من بين النقاط التي يتوقع أن يتضمنها القانون:

 

_ تعزيز شروط الحصول على بطاقة الصحافة.

_ تقنين وضعية المواقع الإلكترونية وربطها بالمسؤولية المهنية.

_ فرض التكوين المستمر كشرط لتجديد الاعتماد.

_ ضمان حماية قانونية أقوى للصحفيين أثناء تأدية مهامهم.

_ توضيح العلاقة بين الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بما يضمن حقوق الطرفين.

 

لكن المخاوف تبقى حاضرة. إذ يرى البعض أن هذا القانون قد يتضمن بنوداً فضفاضة تستعمل لاحقاً لتكميم الأفواه أو الحد من حرية التعبير تحت ذرائع “الأمن الرقمي” أو “مكافحة الأخبار الزائفة”. فيما يرى آخرين أن هذا القانون سيكون بمثابة الحجر الأساس لتأسيس الصحافة الجديدة وإحياء مجدها الضائع.

 

الصحفي المهني.. رهانات البقاء والاعتراف

 

بعيداً عن القوانين هناك حاجة إلى إعادة الاعتبار لمهنة الصحافة من الداخل. فالمستقبل لن يكون لصانع المحتوى فقط، بل لمن يجيد قول الحقيقة بمهنية ويملك أدوات التحقيق، والتحليل، والتوثيق ويتمتع بأخلاقيات المهنة. ولهذا فإن الصحفي المهني بحاجة إلى:

 

_ نقابة قوية تدافع عنه فعلياً.

_ بيئة قانونية تحميه لا تلاحقه.

_ منظومة دعم وتشجيع مادي ومعنوي.

_ فضاء تكويني حقيقي يؤهله لمواجهة تحديات العصر الرقمي.

_ إعادة النظر في وضعيته الإعتبارية، الإجتماعية والاقتصادية.

 

إن رهان البقاء ليس فقط في نصوص القانون، بل في من يملك المصداقية والجرأة، والقدرة على التطور دون التخلي عن جوهر الرسالة الصحفية الجليلة.

 

لعل القانون المقبل قد يكون مفصلياً في تحديد مستقبل الصحفي المهني في المغرب. لكن يبقى السؤال الجوهري : من هو الصحفي الحقيقي؟

 

إن كنا نطمح لصحافة حرة، مهنية، ومؤثرة، فعلينا أن نراهن على العنصر البشري أولا، وأن نوفر له الشروط التي تليق برسالته. فالقانون مهما بلغت دقته لن يصنع صحافة ذات قيمة، إن لم يكن الصحفي نفسه واعياً بمكانته، ومدركاً لأدوات قوته ومتمسكاً بأخلاقيات مهنته.

 

رغم ذلك، فإن الصحفي المهني يأمل أن يكون القانون الجديد المنظم لمهنة الصحافة واضحًا وأن يكفل حقوق الأطراف ويُؤطر عمل الصحفي في بيئة مناسبة تتيح له ممارسة مهامه بحياد ومهنية، وفي ظروف اقتصادية واجتماعية واعتبارية مريحة. كما يطمح أن يتمكن من تقديم عمله بجِدية وطموح، مع مراعاة مصلحة الوطن والدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، وتمثيل المغرب في المحافل العالمية بكل فخر واعتزاز.

 

 

 

 

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 1 )
  1. نبيل إهناش :

    في الحقيقة هذا المقال في منتهى من المسؤولية الأخلاقية و يجب على الدولة أن تترك للصحفيين عموما و الصحافة الإلكترونية على وجه الخصوص مجالا واسعا للتعبير عن رأيها في مواضيع ذات الصلة
    على العموم المقال في غاية الأهمية، تحياتي لك من القلب أستاذة سناء

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .