فرنسا تدافع عن جمالها المُقود بالفيلترات.
غالبا ما امتلك المؤثرون سلطة على رغبات السواد الأعظم من الناس، منذ أيام إعلانات التلفزيون وشعبية الممثلين؛ لكن الضرر كان محدودًا بحكم محدودية صناعة التجميل.
كان المجتمع الفرنسي لعهد قريب يتأثر بمعايير الجمال لكن في معظمها كانت أجسادًا صحية، وملامح يمكن إيجادها على أرض الواقع، و إن كانت هناك قولبة للجمال، لكنها ضلت مقيدة.
الوضع بدأ يخرج عن السيطرة
بعد بروز العالم الافتراضي – وبالمناسبة هو عالم افتراضي بمعنى الكلمة- أصبحنا في عالم متخم لآخره بالمؤثرين والشركات التي لا تهتم سوى لأرباحها نهاية العام دون أي حس بالمسؤولية تجاه المعايير و القيم .
فبدلًا من قولبة معايير الجمال التي رُوج لها أصبحنا أمام معايير جمال مُختَرَعة، يستحيل أن يرثها أحدهم عن أبويه البيولجيين، بل يعجز الطب التجميلي عن تحويلها لواقع، لدرجة أن طب التجميل في 2019 طبّع مصطلحًا يدعى “اضطراب سناب شات” وهو يعبر عن الخلل الذي يصيب بعض الأشخاص فيعتقدون أن البوتكس والجراحات التجميلية سوف تستطيع ايصالهم لنفس نتيجة أشكالهم بالفيلتر المزود بكاميرا الهاتف الذكي.
ليست الفلاتر هي المجرم الوحيد، بل اننا نقف أمام خلل إدراك كامل للواقع و مواقع الجمال؛ خطابات و تقنيات تقود لكره الذات واضطرابات الأكل وإيهام المجتمع بفكرة الثراء السريع وتجريم الحياة العادية.
فرنسا التي تغنت بالجمال و أطلقت اسماء شوارع على جميلاتها التي كانت تجوب شرفات مقاهي النازية للإيقاع بجنرالات هتلر بعد الاجتياح ،تضرب بيد من حديد
يبدو أن فرنسا نالت كفايتها من الزيف و تقويد معايير الجمال، حيث طرحت اقتراح مشروع للحد من أضرار المؤثرين، ينص القانون على:
– إفصاح المؤثرين عن جميع الإعلانات المدفوعة.
– حضر الترويج لعمليات التجميل.
– حضر الترويج لأي منتج مالي بما في ذلك العملات المشفرة.
– أي صورة عدل عليها بفلتر أو ببرامج تعديل الجسد يجب على المؤثر الإفصاح عنها.
– إضافة تنبيه تحذيري على أي محتوى يروج للمخاطرة كالقمار و البغو و القوادة.
عقوبات صارمة، لكن هل تكون رادعة؟
عقوبة مخالفة أحد هذه الأنظمة هي السجن لمدة ستة أشهر ودفع غرامة بقيمة 328 مليون دولار!
هل تعتبر ان هذا الرقم كبيرًا ؟
تدرك فرنسا ذات التاريخ الطويل بالمواخير و صناعة الرفاهية بأن المؤثرين يمتلكون المال وليسوا مستعدين للتخلي عنه، من الوارد إن كان ربح الإعلانات أكبر من الغرامات المالية المفروضة بأن الوضع سيستمر على ما هو عليه ويعتبر المؤثرون هذه الغرامات “كضريبة إعلان”.
من منظور أوسع :
الإجراءات الفرنسية ضد المؤثرين ليست بالأساس لحماية معايير الجمال المُزيف التي روجت لها بالواجهات التجارية و المجلات العالمية ،لكنها بالاساس تحاول حماية تاريخها العريق في تجارة الرقيق الأبيض الذي ينعش سياحتها الراقية داخل الفنادق المصنفة ،و الذي يحاول المؤثرون اليوم المنافسة عليه عبر العالم الافتراضي بصناعة جمال لن تجده بمواخير الشوارع الخلفية لجادة الاليزيه.
تعليقات ( 0 )