مشروع قانون الصحافيين المهنيين : خطوة نحو تحديث الإطار التشريعي وتعزيز المهنية
يشهد قطاع الصحافة والإعلام بالمغرب تحولات عميقة تستدعي تحديث الإطار التشريعي المنظم للمهنة، وهو ما يجسده مشروع القانون رقم 27.25 الذي يهدف إلى تعديل وتتميم القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين. هذا المشروع، الذي قدمه وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، خلال اجتماع للجنة التعليم والثقافة والتواصل بمجلس النواب، اليوم، يمثل خطوة طموحة لمواكبة التطورات في المشهد الإعلامي، مع تعزيز حماية الصحفيين ودعم جودة الممارسة الصحافية.
يطمح مشروع القانون هذا، إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية التي تخدم الصحافة والمجتمع على حد سواء. أولها، تأمين إطار قانوني عصري يحمي الصحفيين، ويعزز من جودة الممارسة الصحافية، ويرسخ أسس صحافة حرة ومسؤولة. وفي هذا السياق، أكد الوزير بنسعيد أن المشروع يسعى إلى تعزيز مصداقية المهنة من خلال ضمان شروط عمل أفضل، وهو ما ينعكس إيجاباً على خدمة المجتمع والديمقراطية. هذا التوجه يعكس إدراكاً عميقاً لدور الصحافة كركيزة أساسية في بناء مجتمع ديمقراطي قائم على المعلومة الموثوقة.
من أبرز التعديلات التي جاء بها المشروع، تدقيق تعريف الصحفي المهني المحترف، حيث نص على أنه “كل صحافي يزاول مهنة الصحافة بصورة رئيسية ومنتظمة في مؤسسة صحافية”، مع اشتراط توفر سنتين من التكوين المستمر المعتمد من المجلس الوطني للصحافة بالنسبة للصحافي المتدرب. هذا التعديل يهدف إلى رفع مستوى الاحترافية في القطاع من خلال ضمان تكوين مهني موحد ومعترف به.
كما تضمن المشروع تعديلات تتعلق بالوضعية القانونية لبطاقة الصحافة المهنية، حيث تم استبدال عبارة “ملغاة” بـ”تم سحبها”، وهو تغيير يحمل دلالات قانونية تهدف إلى توفير وضوح أكبر في التعامل مع هذه الوثيقة. وفي سياق متصل، يعالج المشروع ظاهرة إعداد بعض الصحفيين لبطاقات خاصة بهم خارج الإطار الرسمي الذي يوفره المجلس الوطني للصحافة، من خلال تأطير أدق للحالات التي تشكل جنحة يعاقب عليها القانون الجنائي، وذلك لحماية مصداقية المهنة ومنع انتحال الصفة أو التلاعب بالوثائق الرسمية.
و من بين الإصلاحات البارزة أيضاً، توحيد المصطلحات المستخدمة في القانون، حيث تم تعويض عبارة “المؤسسات الصحافية أو وكالات الأنباء أو هيئات الإذاعة والتلفزة” بمصطلح “المؤسسة الصحافية”. هذا التعديل يهدف إلى إنهاء التمييز بين المهنيين العاملين في مختلف القطاعات الإعلامية، مثل التلفزيون أو الإذاعة، ويعكس سعياً لتوحيد المعايير المهنية تحت مظلة واحدة، مما يعزز من شمولية القانون وتكافؤ الفرص بين العاملين في القطاع.
و في خطوة لا تقل أهمية، تضمن المشروع إضافة فقرة جديدة ضمن المادة 19 تتعلق بحقوق المؤلف، تنص على أن “يجب ألا يحول أي اتفاق دون استفادة الصحافي المهني من حقوق المؤلف والحقوق المجاورة”. هذا التعديل يهدف إلى تحقيق توازن بين العلاقة التعاقدية التي تربط الصحفي بالمؤسسة الإعلامية وحقه في ملكية أعماله الأصلية، مما يشجع على الإبداع ويعزز من مهنية القطاع. كما أشار الوزير إلى أن المقاولات الإعلامية ستستفيد من خدمات المكتب المغربي لحقوق المؤلف، مع خطط لتنظيم يوم دراسي لمناقشة هذا الموضوع، مما يعكس سعي الحكومة للالتزام بدعم الجوانب الاقتصادية والقانونية للمهنة.
كما أكد الوزير بنسعيد على أهمية تقوية المكتب المغربي لحقوق المؤلف، الذي من المنتظر أن يوفر مصادر دخل جديدة للصحفيين والمؤسسات الإعلامية على حد سواء. هذه الخطوة تندرج ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تعزيز الاستدامة الاقتصادية للقطاع الإعلامي، من خلال دعم حقوق الملكية الفكرية وتوفير بيئة مواتية للإبداع والابتكار.
منظور أوسع : نحو صحافة مهنية مستدامة
يمثل مشروع القانون رقم 27.25 خطوة نوعية نحو تحديث الإطار التشريعي لمهنة الصحافة في المغرب، من خلال تدقيق التعاريف، حماية حقوق الصحفيين، وتعزيز مصداقية المهنة. التعديلات المقترحة تعكس رؤية طموحة تهدف إلى مواكبة التحولات السريعة في المشهد الإعلامي، مع ضمان بيئة عمل مهنية تحفظ حقوق الصحفيين وتعزز دورهم في خدمة المجتمع. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا المشروع مرهوناً بمدى قدرته على التطبيق الفعلي والتفاعل مع التحديات العملية التي تواجه القطاع، بما في ذلك ضمان مشاركة فاعلة للصحفيين ومؤسساتهم في صياغة وتنفيذ هذه الإصلاحات.
Comments ( 0 )