آسفي مدينة تُخنَق بالفحم وتُدفن تحت غبار الإهمال

آسفي مدينة تُخنَق بالفحم وتُدفن تحت غبار الإهمال

 

 

 

في قلب شارع الحسن الثاني، الشريان الرئيسي لحاضرة المحيط، تقف شاحنة ضخمة مغطَّاة بغطاء أسود بالٍ تنتظر حقها في الأسبقية، تحجب ساعة المدينة كما تحجب مستقبل أسفي نفسه. فوق رأس الشاحنة، و بالحانب الآخر من الشارع لافتة حمراء مكتوب عليها “ممنوع على شاحنات نقل الشاربون” بالعربية و Cédez le passage بالفرنسية، لكنها في الحقيقة لا تمنع شيئاً: تمنع الشاحنات المحملة بالفحم نهاراً، ثم تُطفأ ليلاً لتسمح لها بالعودة محملة ببقايا الشاربون، فتنثر غبارها الأسود على البيوت والأرصفة والرئتين. هذه الصورة ليست حادثاً عابراً، بل هي وجه المدينة اليومي منذ سنوات.

منذ السبعينيات والرياح الشمالية الشرقية هي المنقذ الوحيد لأسفي من كارثة بيئية تطلّ من الجنوب. أما حين تهبّ الرياح الجنوبية الغربية، كما يحدث منذ بداية هذا الاسبوع، فيغدو الهواء ثقيلاً بروائح المركب الكيماوي ومحطة SAFIEC الحرارية، روائح لا تخطئها أنوف العطَّارين ولا أنوف الأطفال الذين يخرجون للمدارس قبل الشروق أو يعودون إلى بيوتهم عند اشارتكم الساعة التي لا تبدي اي إشارة.اختير لآسفي أن تكون وجه الحمّوم، كما قال أحد المستشارين سابقاً، ولم يعد هذا الوصف مجرد تعبير بلاغي. فقد تحولت المدينة إلى ممر لشاحنات الفحم بعد عودة حليمة اعادتها القديمة لتوفير دراهم المازوط التي يلهفها المرور عبر المدار الحضري، فبعد أن تم تمرير مشروع أكبر محطة حرارية تعمل بالفحم في المغرب خارج دفتر التحملات البيئية لأسفي، في زمن كان فيه المجلس السابق منشغلاً بـالفتات وبناء عمارة الرئيس بدل حماية المدينة من غبار الشاربون.إشارة المرور البئيسة التي تظهر في الصورة لم توضع إلا بعد انقلاب شاحنة على نفس الشارع، وهي تعمل بالنهار فقط، كأن التلوث يحترم ساعات الدوام الرسمي. أما السلطات والمجالس المتعاقبة، سابقها وحاليها، فلم ترَ في الأمر أكثر من مسألة ثانوية، حتى وإن أثبتت دراسة نُشرت في مجلة «Science» أن الجزيئات الدقيقة الناتجة عن محطات الفحم تزيد خطر الوفاة 2.1 مرة مقارنة بمصادر التلوث الأخرى، وأن جزيئات PM2.5 تدخل الدم مباشرة مسببة السرطان والسكتات القلبية والاكتئاب والربو.

 

لا جهاز لرصد جودة الهواء، لا نظام إنذار مبكر، لا دراسة جادة للأثر البيئي، لا إرادة سياسية حقيقية. هناك فقط لافتة مهترئة وشاحنات لا تتوقف، ومجلس حالي يغرق في فشل تدبير النظافة، وآخر سابق يركب رئيسه رونج روفر بعد العزل ويختفي.

آسفي لم تعد تستحق هواءً نقياً في عيون من يديرونها. اختاروا لها أن تكون محطة كبرى للطاقة، واختاروا لسكانها أن يتنفسوا الغبار بدل الأكسجين، واختاروا أن تبقى ساعة المدينة مخنوقة خلف شاحنة فحم، رمزاً لزمن توقفت فيه التنمية… ولم يتوقف التلوث.

 

فمتى ستستيقظ عاصمة عبدة من تحت الرماد الأسود؟

بانتظار ذلك تفتقت عبقرية أحدهم وقامت بازالة إشارة منع مرور الشاحنات المحملة بالفحم الحجري!

 

تصبحون على خير.

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .