أزمة الموظف الذي لا يعرف عنوان كتاب عن مهنته
في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا، وتتدفق المعلومات كالسيل، يبدو العزوف عن القراءة وكأنه وباء صامت يتسلل إلى عقول الجيل الجديد، خاصة في بيئات العمل. تخيل موظفًا جديدًا يلتحق بمهنة لم يقرأ عنها كتابًا واحدًا، ولا يعرف حتى عنوانًا يرتبط بمجاله! هذه ليست مجرد مشكلة فردية، بل ظاهرة تكتشف و تكشف عن فجوة معرفية تهدد مستقبل الإبداع والكفاءة المهنية. فكيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ وكيف يمكن أن نقدم منظورًا لمعالجة هذا العزوف؟
القراءة: الصديق الوفي الذي نُعرض عنه
القراءة ليست مجرد هواية، بل هي بوابة لفهم العالم والتخصصات. كين غريفين مؤسس Citadel، يضع القاعدة بوضوح: “إذا لم تكن قادرًا على قراءة كتاب عن مجالك بشغف، فقد تكون في المهنة الخاطئة.” هذه العبارة ليست مجرد نصيحة عابرة، بل دعوة لإعادة التفكير في علاقتنا بعالم المعرفة. فالقراءة ليست واجبًا أكاديميًا، بل وقود للعقل الذي يطمح إلى التفوق. لكن، للأسف، نرى موظفين جددًا يدخلون سوق العمل مسلحين بشهادات جامعية، لكنهم يفتقرون إلى الفضول الذي يدفعهم لتصفح كتاب يثري مهنتهم.
لماذا هذا العزوف؟ جزء من الإجابة يكمن في ثقافة السرعة التي نعيشها. التكنولوجيا، رغم إيجابياتها، حوّلت انتباهنا إلى مقاطع فيديو قصيرة ومعلومات سريعة الهضم على شرفات المقاهي حيث تبرز الاضطرابات المعرفية و السلوكية بجلاء، مما جعل الكتب و المجلات-بصفحاتم الطويلة وأفكارهم العميقة- يبدون كرفاهية لا ضرورة. لكن هذا التفكير قصير النظر يحرم الموظف من فرصة بناء أساس معرفي متين يمكّنه من الابتكار والتكيف في عالم يتغير باستمرار.
الشهادة ليست النهاية، بل البداية
يعتقد الكثيرون أن الشهادة الجامعية هي خط النهاية، وأن النجاح المهني يتحقق بالاعتماد على ما تم تعلمه في قاعات الدراسة. لكن الواقع يقول غير ذلك. غريفين، رغم خبرته الطويلة وثروته الهائلة، لا يزال يخصص وقتًا يوميًا للقراءة، سواء كانت أبحاثًا أكاديمية أو تقارير معقدة.
لماذا؟
لأن القراءة هي الطريق إلى البقاء في صدارة المنافسة. في عالم يتغير بسرعة الصاروخ، من لا يقرأ يصبح كالأطرش في الزفة، او كالراقصة التي طلبوا رقصتها فايقنت، غرياء عن التطورات، عاجزين عن مواكبة التحديات.
المشكلة تتفاقم عندما نرى موظفين جددًا لا يعرفون حتى من أين يبدأون. كتاب عن تاريخ مهنتهم، أو عن أحدث الاتجاهات في مجالهم، أو حتى عن قصص نجاح من سبقوهم، يبدو بالنسبة لهم كجزيرة نائية لا حاجة لزيارتها. هذا الجهل ليس مجرد نقص في المعرفة، بل هو انعدام للشغف الذي يصنع الفرق بين موظف عادي وقائد مبدع.
حلول عملية لإعادة إحياء شغف القراءة
من خلال نهج صحافة الحلول، يمكننا اقتراح خطوات عملية لمواجهة هذا العزوف وإعادة إشعال الشغف بالقراءة في بيئة العمل:
دمج القراءة في ثقافة العمل: يمكن للمؤسسات أن تشجع الموظفين على القراءة من خلال إنشاء نوادي كتاب مهنية، حيث يناقش الفريق كتابًا شهريًا يتعلق بمجالهم. على سبيل المثال، يمكن لقطاع التعليم اختيار كتاب عن التعلم من المهد الى اللحد، ومناقشة أفكاره في جلسات تفاعلية داخل المركز الاجتماعي للمعلمين.
تحفيز الفضول من خلال القدوة الحسنة: القادة الذين يظهرون شغفهم بالقراءة يلهمون فرقهم. عندما يشارك مشرف تربوي او مدير تجربته مع كتاب أثر في مسيرته، يصبح ذلك حافزًا للموظفين الجدد لتقليده.
تبسيط الوصول إلى المعرفة: يمكن للمؤسسات توفير مكتبات رقمية أو اشتراكات في منصات مثل Amazon Kindle، مع تخصيص وقت في جدول العمل للقراءة. هذا يجعل القراءة جزءًا من الروتين اليومي، وليس عبئًا إضافيًا.
ربط القراءة بالنجاح المهني: يجب أن يدرك الموظفون أن القراءة ليست رفاهية، بل استثمار في أنفسهم. ورش عمل توضح كيف ساهمت القراءة في نجاح قادة بارزين يمكن أن تغير نظرتهم إلى الكتب.
تنويع المصادر: ليس كل موظف يجد متعته في الكتب التقليدية. البودكاست، المقالات المتخصصة، وحتى التقارير القصيرة يمكن أن تكون بداية لإعادة إشعال الفضول، خاصة لمن اعتاد على استهلاك المعلومات بسرعة.
منظور أوسع: القراءة تصنع القادة
القادة الحقيقيون لا يصنعهم تخصص واحد أو طريق ثابت، بل شغف دائم بالتعلم. القراءة ليست مجرد أداة لفهم المهنة، بل هي وسيلة لبناء شخصية مرنة قادرة على التكيف مع التحديات. من لا يقرأ في مهنته لن يكتب فيها فرقًا. فالكتاب هو مرآة تعكس أفكارك، ونافذة تطل منها على مستقبل مجالك.
اسأل نفسك: متى كانت آخر مرة قرأت فيها كتابًا عن مهنتك؟ إذا كانت الإجابة “لا أتذكر”، فربما حان الوقت لتغيير ذلك. اختر كتابًا، ابدأ بصفحة واحدة، ودع الفضول يقودك. قد تكتشف أنك لست في المهنة الخاطئة، بل كنت بحاجة إلى شرارة المعرفة لتضيء طريقك يا جميل.
,
Comments ( 0 )