أسفي.. شهادات و اعتراف بالقيم الإنسانية و نبل رسالة الفقيد القائد الوحدوي الأستاذ الزوهري
في أمسية مهيبة غمرها الوفاء والتوقير، احتضن فضاء نادي التعليم بمدينة آسفي، مساء الأربعاء 15 ماي 2025، حفل تأبين الأستاذ الراحل عبد الهادي الزوهري، ذلك المناضل الوحدوي الذي أضاء بفكره النير وعمله الدؤوب دروب الثقافة والنضال بحاضرة المحيط. هذا الحفل، الذي نظمته مؤسسة القلم للفكر والثقافة والفن بشراكة مع مؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم فرع آسفي، لم يكن مجرد مناسبة لاستذكار الفقيد، بل كان محطة لتجديد العهد مع قيمه الإنسانية النبيلة، وتذكير الأجيال الصاعدة، خاصة من انخرطوا حديثًا في سلك التعليم، بأن الإنسان لا ينقطع ذكره بعد الرحيل، بل تظل كتاباته وأعماله الميدانية شاهدة على عطائه، منارة تهدي السبيل.
حضور مميز عزز نبل الرسالة
كان الحضور في هذا المقام شهادة حية على مكانة الفقيد وصدق رسالته. فقد تجمع نخبة من المثقفين، السياسيين، المناضلين، والشباب المتطلع، إلى جانب أسرة التعليم التي فقدت رمزًا آخر، الأستاذ عبد النبي مهيليص، في حادثة سير أليمة أودت بحياته و حالت دون حضور تأبين رفيق دربه. هذا التنوع في الحضور، من أساتذة أكاديميين وكتاب ونقابيين وتلاميذ سابقين، عكس مدى تأثير الأستاذ الزوهري الذي كان جسراً بين الأجيال، يربط الماضي النضالي المشرق بالحاضر الطامح إلى التغيير. إن وجود هؤلاء، بما يحملونه من ذكريات وشهادات، عزز من رسالة الحفل بأن الأعمال الصالحة والفكر الراقي يبقيان خالدين، يلهمان الشباب للسير على درب العزة والكرامة، ويحثان الأجيال الصاعدة على الانخراط في خدمة الوطن بإخلاص وتفانٍ.
افتتاح روحاني وشهادات مؤثرة : استهل الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، تلتها مجموعة أريج النغم للمديح والسماع بقطعة “ادنوا يا صديق إن كنت عشيق”، التي ألهبت مشاعر الحضور وأعادت إلى الأذهان صدق رسالة الفقيد وروحه التواقة للحرية والعدالة. ثم تقدم الأستاذ الكبير الداديسي، الباحث التربوي المتميز، بورقة تعريفية أنيقة سلط فيها الضوء على المسيرة الأكاديمية والنضالية للأستاذ الزوهري، معزيًا أسرة التعليم في فقدان رفيق دربه الراحل عبد النبي مهيليص، تلك القامة التي كان يُنتظر حضورها ليشارك في تخليد ذكرى صديقه.
شهادات تجسد الإرث الخالد: تتالت الشهادات في حق الفقيد، بدءًا بكلمة أسرته المؤثرة التي كشفت عن خصاله الحميدة داخل بيته، فأبكت الحضور وأيقظت فيهم مشاعر الفخر بإنسان عاش لخدمة الآخرين. ثم جاءت كلمة الكاتبة الجليلة زهور راشد، التي أضاءت جوانب من فكر الزوهري النقدي، مشيرة إلى إيمانه العميق بالتحليل المنهجي كأساس لأي عمل سياسي. استحضرت راشد ذكريات اللقاءات الثقافية بدار الشباب علال بن عبد الله في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين كانت آسفي تعج بالحركية الفنية والثقافية، وكان الزوهري يبهر الجميع بحسه النقدي العميق للأفلام الأجنبية، فضلاً عن دوره الميداني في دعم الأندية والنقابات والأحزاب التقدمية. كان الزوهري، كما أكدت، ملهمًا لجيل من الشباب الذين آمنوا بالاشتراكية كنهج لخدمة الوطن، رافعين مصلحة الجماعة فوق أي اعتبار شخصي.
توالت شهادات الحضور من مناضلين ومثقفين شقوا طريقهم في الحقل الأكاديمي والنقابي والسياسي، مؤكدين دور الزوهري كقائد وحدوي دعم أهداف التعليم العليا، وساهم في بناء جيل واعٍ بقضايا وطنه. هذه الشهادات لم تكن مجرد كلمات، بل كانت تجسيداً لإرث حي يحث الشباب، وخاصة الملتحقين حديثًا بسلك التعليم، على استلهام هذه النماذج ليكونوا بدورهم قادة التغيير في المستقبل.
تخليد الإرث عبر الكتاب: من أبرز لحظات الحفل تقديم كتاب “حفريات في ذاكرة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بأسفي 1973-1993″، الذي تضمن شهادات الزوهري عن مسيرته النضالية والتربوية. هذا الكتاب ليس مجرد وثيقة تاريخية، بل هو شاهد على استمرارية الفكر والعمل، ودعوة للأجيال الصاعدة لتأمل هذا الإرث والمساهمة في إثرائه. إن كتابات الزوهري وأعماله الميدانية، التي خلدها هذا العمل، تؤكد أن الإنسان يعيش بما يتركه من أثر، وأن ذكره يبقى متوهجًا في وجدان الأمة.
الصورة الاكبر:
في هذا الحفل، لم يكن التأبين مجرد استرجاع للماضي، بل كان تجديدًا للعهد مع قيم العطاء والنضال التي جسدها الأستاذ عبد الهادي الزوهري. إن حضور هذه الجموع المتنوعة، وشهاداتهم الصادقة، وإرثه الموثق في كتاباته، كلها رسائل للأجيال الصاعدة، وخاصة طلاب التعليم، بأن طريق الخلود يكمن في العمل الجاد والإخلاص للوطن. فليكن هذا المقام حافزًا لشبابنا ليسيروا على درب هذا الرائد، حاملين مشعل الفكر والنضال، مؤمنين بأن الأعمال الصالحة لا تموت، وأن ذكرى الصادقين تبقى خالدة في قلوب الأمة.
Comments ( 0 )