أفق إنتخابات 2026 : تحدي حيوية الشباب أمام أزمة الأحزاب

أفق إنتخابات 2026 : تحدي حيوية الشباب أمام أزمة الأحزاب

 

 

في سياق يشهد تحولات اجتماعية عميقة، يبرز المغرب من جديد كمثال حي على كيفية استجابة الدولة لتطلعات جيل الشباب، الجيل الذي يمثل أكثر من 30% من الهرم السكاني. مع اقتراب الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية لعام 2026، يُشرِّع المغرب من جديد أبواب سلطته التشريعية أمام الشباب ليصبحوا لاعبين أساسيين في المشهد السياسي. هذا الفتح لم يقتصر على مجرد إجراء إداري أو شعار حزبي، بل تقدم بخطوة استراتيجية تهدف إلى تجديد الدماء السياسية، تعزيز الثقة العامة، ومواكبة التحديات الاجتماعية التي أفرزتها احتجاجات “جيل زد” في الأسابيع الأخيرة. وفي قلب هذا التحول، برز دور الملك محمد السادس كمحرك رئيسي لانخراط الشباب، الذي أصبح اليوم أولوية ملكية واضحة.

 

منذ توليه الحكم ، أولى جلالة الملك محمد السادس اهتماماً خاصاً بقضايا الشباب، معتبراً إياهم “قاطرة التنمية” و”حاملي المسؤولية المستقبلية”. في خطاباته و خطاب العرش الأخير خاصة، دعا الملك إلى استراتيجية وطنية متكاملة لتمكين الشباب اقتصادياً وسياسياً، مع التركيز على تعزيز دورهم في بناء “مغرب حديث ومزدهر”. هذا الالتزام الملكي أدى إلى إصلاحات ملموسة، إطلاق برامج لدعم ريادة الأعمال بين الشباب، وتفعيل مبادرات لربط الشباب بالمؤسسات الدستورية.

أما في السياق السياسي، فقد كان لحكمة الملك أثر مباشر في زيادة انخراط الشباب. خلال الـ25 عاماً الماضية، شهد المغرب ارتفاعاً في مشاركة الشباب في الحياة العامة، من خلال تشجيع التفكير النقدي والابتكار في المدارس، ودعم مشاريع الشباب في المهجر. وفي أحدث الخطوات، أمر الملك في اجتماع المجلس الوزاري بتاريخ 19 أكتوبر 2025، بمصادقة مشاريع قوانين تنظيمية تهدف إلى “إعادة الروح إلى المشهد السياسي”، مما يعكس استجابة فورية لمطالب الشباب في مجالات الصحة والتعليم والفرص السياسية.

 

هذه التوجيهات الملكية ليست شعارات، بل أفعال تحولت إلى سياسات عمومية، تتطلب انخراط و مواكبة، ستؤدي لا محالة إلى زيادة الثقة بين الشباب والمؤسسات – بين الرأي العام و سلطة الدولة – ودفعهم نحو المشاركة الفعالة بدلاً من العزوف.

 

ركزت الامتيازات الجديدة على الدعم المالي و التيسير الإجرائي لانخراط الشباب دون 35 عاماً، لتحويل الوعود إلى واقع، حيث أدخلت الدولة امتيازات محددة للشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة، كجزء من الإصلاحات الانتخابية المعلنة مؤخراً، و التي لم تنتبه لها الأحزاب في اقتراحاتها. هذه الامتيازات، المقررة في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، تهدف إلى تبسيط الوصول إلى الساحة السياسية ومواجهة العوائق المالية و التزكيات الحزبية.

أبرز التعديلات

– الدعم المالي المباشر: تغطي الدولة 75% من مصاريف الحملة الانتخابية للشباب المرشحين، سواء ضمن لوائح حزبية أو مستقلة. هذا الدعم يشمل اللوائح الترشيحية في الدوائر المحلية والجهوية، مما يقلل من هيمنة “المال الفاسد” ويفتح الباب أمام الكفاءات الشابة غير المدعومة مالياً.

 

– تيسير شروط الترشح:

يُسمح للشباب بالترشح مستقلين دون الحاجة إلى تزكية حزبية إلزامية، مع تبسيط الإجراءات الإدارية. كما يمكن تشكيل لوائح شبابية مستقلة تتنافس على مقاعد الدوائر الانتخابية، بشرط التوازن بين الجنسين وعدم تجاوز العمر 35 سنة في تاريخ الاقتراع.

التكامل مع الكوطة

النساء:

في اللوائح الجهوية المخصصة للنساء، شُجع على تضمين شابات دون 35 عاماً، مما يحقق هدفين: تمكين المرأة وتشبيب المشهد السياسي في آن واحد.

هذه الامتيازات ليست مصادفة، بل رد محسوب على عزوف الشباب عن السياسة، الذي يرجع جزئياً إلى سيطرة “الوجوه التقليدية” والعوائق المالية. وفقاً لدراسات حديثة، يعاني أكثر من 60% من الشباب المغربي من صورة سلبية عن الأحزاب، مما يجعل هذه الإصلاحات خطوة جريئة نحو ديمقراطية أكثر شمولاً.

تجديد وابتكار لمشهد سياسي أكثر حيوية بترشح الشباب في الانتخابات المقبلة ليس مجرد زيادة عددية، بل إضافة نوعية تحول المشهد السياسي المغربي. يأتي الشباب بطاقة حيوية، قريبة من نبض الشارع، قادرة على مواجهة التحديات الحديثة مثل البطالة، التغير المناخي، والرقمنة.

 

كيف يمكن لهم أن يقدموا إضافة حقيقية؟

تجديد النخب السياسية بعد إلغاء “الكوتا” الشبابية في انتخابات 2021، التي سمحت بدخول 60 شاباً إلى البرلمان، يعود الشباب اليوم كقوة مستقلة.
ترشحهم المستقل يفتح الباب لوجوه جديدة غير مرتبطة بالزعامات الحزبية و العائلات التي احتكرت المقاعد، مما يعزز التنوع ويقلل من “الريع السياسي”.

 

و بفضل الدعم المالي، سيتمكن الشباب من حملات انتخابية شفافة تركز على قضاياهم اليومية، مثل تحسين التعليم والصحة، مما يعيد الثقة في العملية الديمقراطية.

 

في انتخابات 2026، يُتوقع ارتفاع نسبة المشاركة الشبابية بنسبة 20%، مما يجعل البرلمان أكثر تمثيلاً للأجيال الصاعدة.

الشباب يجلبون رؤى رقمية وابتكارية، مثل استخدام وسائل التواصل للحملات، ودعم الاقتصاد الأخضر. كما يمكنهم الضغط لإصلاحات اجتماعية، مثل محاربة الفوارق المجالية، مستلهمين من احتجاجاتهم الأخيرة.

 

هذه الإضافة ستجعل المغرب أكثر قدرة على مواجهة رهانات 2030، مثل التنمية المستدامة والشغل الشبابي.

منظور أوسع :

فتح الباب لترشح الشباب في الانتخابات المقبلة يمثل لحظة تاريخية في مسيرة الديمقراطية. بفضل الحكمة الملكية والإصلاحات الجريئة، يصبح الشباب ليس مجرد ناخبين، بل صانعي قرار. إن نجاح هذه الخطوة يعتمد على مسؤولية الجميع، الأحزاب في تجديد قياداتها، والشباب في استغلال الفرص، والمؤسسات في ضمان النزاهة. بهذا، سيبني المغرب مستقبلاً يعكس طموحات جيله الجديد، مغرباً قوياً ومتضامناً.

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .