إنتحال الثقة..

إنتحال الثقة..

 

 

 

تحتل الثقة منزلةً عظيمة في العلاقات بين الأفراد و المجموعات ، تحدد نوعية تفاعلاتنا الاجتماعية، تقيس مدى أريحيتنا و إحساسنا بالأمان مع الآخرين، نتعلم من خلالها حدودنا الحمراء و علامات الحذر بالنسبة إلينا، فقد نثق و نجد الأمان و التعاون المطلوب، وقد تدفعنا ثقتنا نحو الخسارة، و الخسارة هنا تعم كل الأطراف.

 

مناخ الثقة المهنية في عالم الصحافة حاليا يثير الكثير من الاشكاليات، و هو العامل الحاسم في تعزيز بيئة عمل إيجابية تشجع على التعلم والإبداع و التفرغ لمشاكل المجتمع بضوابط أخلاقية.

 

لكن..

تصريحات الوزير تبعث برسائل كلها تكشف عن انعدام مناخ الثقة.

قطع الاتصال من طرف المنتخبين لمجرد انك لا تجيد التطبيل و التهليل لفشله دليل على انعدام الثقة.

توزيع بطائق القطار على مهنيين دون غيرهم يكرس مناخ انعدام الثقة.

عجز المؤسسات الصحافية و تخلي الصحفيين عن وظائفهم في التحقيق يضعف الثقة.

امتيازات و منح الاعياد لمنابر جهوية دون غيرها يكرس مناخ انعدام الثقة.

اصطفاف منابر بعينها خلف حملات انتخابية غير معلنة يكرس مناخ إنعدام الثقة.

التنصيب الذاتي و العمل بمبدأ أنا الوحيد في الساحة يضعف الثقة…

الدوس على التزامات أخلاقية للمهنة مقابل الحصول على أرباح مالية نضير المشاهدات يكرس مناخ انعدام الثقة.

ضرب هيئات نقابية في أحقية المهنيين بوضعية اجتماعية افضل و حد أدنى للأجور يكرس مناخ انعدام الثقة.

 

بالمقابل تصريحات العاملين في القطاع من مهنيين و مستثمرين وصولا إلى النقابات و الوزارة الوصية تشي مجملها بهول انعدام الثقة الذي وصلها العمل الصحفي، نتحدث عن العمل الصحفي في حضرة صاحبة الجلالة في بيئة يملؤها الثقة، حيث يمكن للصحفيين أن يعملوا براحة واطمئنان دون خوف من النقد الجارح أو عقوبات غير مبررة مع ضمانات و تأمين ضد المخاطر المحتملة بالميدان.

 

حتى نتمكن من أن تكون لنا أقلام صحفية واثقة بذاتها و ليس اقلام مختصة في تعميم قصاصات وكالات الأخبار.

 

الثقة تمكّن من أخذ زمام المبادرة، وتجربتهم لمقاربة جديدة أو تغطية مواضيع حساسة بأسلوب مبتكر يلبي فضول و شغف الأجيال الصاعدة، إن أردنا فعلاً التشجيع على القراءة و التعلم و التربية على المواطنة.

 

أحد الجوانب الأساسية لبناء مناخ الثقة هو الشفافية في الاتصال بين الأفراد، سواء داخل المجتمع أو داخل بيئة العمل، حيث يُشجع الكل على التعبير عن أفكاره وتقديم مقترحاته بحرية. عندما يُشعر الصحفيون أن رأيهم مهم وحقيقي، يُتاح لهم استكشاف أفكار جديدة وتوظيف مهاراتهم بطرق مبتكرة تلبي شغف الجمهور اتجاه معرفة التغيرات المتسارعة بمحيطه.

 

في بعدٍ آخر، تقربنا الثقة من ذواتنا أكثر، فتحمل بين طياتها فرصةً لنكتشف أنفسنا و الآخرين، فحين نمنح ثقتنا للآخرين، نقدم معها فرصة لأن يكشفوا لنا حقيقتهم ، هل يتحملون المسؤولية ؟أم إنهم يخيبون آمالنا كما هو الحال في العديد من المناطق المعتمة داخل المجتمع حيث يرزح الجميع اختناقاً بمناخ انعدام الثقة القاتم.

 

في كلتا الحالتين، فبدون أن نمنح هذه الثقة، لن نعرف أبدًا طبيعة و حقيقة الأوضاع المحيطة بنا و التي تبنى النقاشات فيها على المقدمة الطللية ..يُشاع ..يُقال ..يُحكى…. .

 

ربما يحتاج واقع الحال التعاون والتوجيه من القادة والمحررين الصحفيين لتعزيز مناخ الثقة في انتظار المناظرة الوطنية المزعومة.

فبدلاً من السيطرة المطلقة على عملية الإنتاج الصحفي التي أصبحت مقرونة إلى حدود اليوم بعدد المشاهدات ، يُحفّز بعض المهنيين على التفويض ومنح فريق العمل مساحة أكبر لتحمل المسؤولية واتخاذ القرارات. هذا النمط من الإدارة قد يشجع على الابتكار، حيث يمكن للأفكار الجديدة أن تتبلور وتتحول إلى مشاريع ملموسة.

 

من جانب آخر، تشجيع التعلم المستمر وتطوير المهارات هو جزء لا يتجزأ مناخ الثقة الإيجابي. توفر دورات التدريب وورش العمل فرصاً للصحفيين لتوسيع معارفهم والبقاء على اطلاع بأحدث تطورات المجال. هذا الاستثمار في الأشخاص يُشعرهم بالتقدير ويعزز من انتمائهم للمؤسسة الإعلامية.

 

بناء مناخ من الثقة في الصحافة يحتاج إلى التزام جاد من الجميع، بدايةً من القيادة، مرورًا بالزملاء، وصولًا إلى ثقافة مؤسسية تُكرّس قيم التعاون و الولاء للوطن، الاحترام، والتمكين. النتائج هي غالبًا زيادة في الكيف، وارتفاع مستوى الجودة في العمل الصحفي، بالإضافة إلى تعزيز الإبداع الذي يُتيح للصحافة التطور والتكيف مع العالم المتغير بسرعة.

 

في دراسة حديثة، تناقش الفرص الضائعة للتعلم و التطور بسبب قلة أو انعدام الثقة. فقد أظهرت الدراسة أن الثقة تُمكّننا من تقييم الآخرين بدقة، بينما يؤدي الحذر المفرط إلى سوء التقدير، نرى انعكاس خطر عدم الثقة في بيئة العمل من خلال المهنيين الذين يرفضون الثقة في زملائهم، فيتسببون بشكلٍ غير مباشر بخلق بيئة عمل محبطة تقلل من المبادرة والحماس و تطلق العنان بالمقابل لنواقص الخبر و السب و القذف في إطار صحفي يفتقد للالتزام باخلاقيات صاحبة الجلالة.

 

الصورة الكبرى:

من الأفضل أن تُمنح الثقة قبل أن تُكتسب! فالمكاسب الساحرة التي نجنيها من الثقة تفوق مخاطرها، وتحليل فوائدها الإيجابية أفضل بكثير من الندم على تفويت الفرص بسبب الحذر المفرط.

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .