الأستاذ الجامعي التجمعي ومغربية الصحراء: التزام علمي وانخراط وطني
مقدمة :
تُعد قضية الصحراء المغربية القضية الوطنية الأولى، التي تحظى بإجماع وطني راسخ، وتستدعي تعبئة دائمة وشاملة لمختلف القوى الحية في البلاد، وفي مقدمتها النخبة الجامعية. فالدفاع عن الوحدة الترابية لم يعد حكرًا على المؤسسات الرسمية، بل أصبح مسؤولية جماعية تتقاطع فيها الأدوار الأكاديمية، والسياسية، والدبلوماسية، والإعلامية.
وفي هذا الإطار، يبرز الأستاذ الجامعي المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار بوصفه فاعلًا مزدوج الدور، يجمع بين البحث العلمي والالتزام الحزبي، ما يؤهله للقيام بأدوار متعددة في مجال الترافع عن القضية الوطنية. فهو، من جهة، يُسهم في إنتاج المعرفة حول الصحراء المغربية، وتفكيك أطروحات الخصوم بمنهج علمي رصين؛ ومن جهة أخرى، ينخرط في العمل السياسي والإعلامي من موقع حزبي فاعل، ما يمنحه قدرة على التأثير في الرأي العام الوطني والدولي.
إن الجمع بين البحث العلمي والدبلوماسية الأكاديمية والانخراط السياسي يتيح لهذا النموذج من النخبة فرصة تقديم ترافع متكامل ومقنع، يزاوج بين الحجة العلمية والخطاب السياسي، ويعكس صورة المغرب كدولة مؤسساتية تدافع عن قضاياها العادلة بالعلم والقانون والتواصل الحضاري.
ومن هذا المنطلق، تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة هذا النموذج للأستاذ الجامعي التجمعي، من خلال رصد أدواره المختلفة، وتحليل فعاليته في الترافع عن قضية الصحراء المغربية، واستشراف آفاق تطوير هذا الدور في سياق التحولات الجيوسياسية والإعلامية الراهنة.
1- الأستاذ الجامعي التجمعي: تموضع استراتيجي بين المعرفة والانخراط السياسي
يحتل الأستاذ الجامعي المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار موقعًا استراتيجيًا مزدوجًا، يجمع بين شرعية المعرفة الأكاديمية بما يمتلكه من زخم علمي وأدوات تحليلية رصينة، وبين فعالية الانخراط السياسي عبر مشاركته الفاعلة في الدينامية الحزبية وصياغة القرار العمومي. ويمنح هذا التموقع للأستاذ قدرة واضحة على التأثير ضمن دوائر متعددة: في المجال الأكاديمي من خلال إنتاج خطاب علمي مؤسس يخدم قضية الصحراء المغربية، وفي الفضاء السياسي عبر بلورة مواقف حزبية حول القضايا الوطنية والدولية، فضلاً عن الحقل الإعلامي من خلال تحليل المستجدات الترابية بلغة علمية هادئة ومقنعة تُسهم في توجيه الرأي العام. ولا يقتصر هذا الدور على الانتماء التنظيمي أو الرمزي للحزب، بل يتجسد من خلال مساهمات نوعية في إعداد الوثائق والبرامج الحزبية ذات الصلة بالقضية الوطنية، ولا سيما ما يتعلق بالوحدة الترابية. كما تُؤهله خلفيته العلمية للقيام بأدوار استراتيجية خلال المحطات المفصلية أو لحظات التوتر، كما حدث عقب إعلان الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، أو في مواجهة التصعيدات التي تقودها جبهة البوليساريو.
في مثل هذه السياقات، تبرز الحاجة إلى أصوات أكاديمية مؤطَّرة ومؤهَّلة قادرة على تفكيك الإشكالات وتقديم رواية وطنية متماسكة، تستند إلى الحجة العلمية والشرعية التاريخية والقانونية. وداخل الحزب، يُسهم الأستاذ الجامعي في تغذية الخطاب السياسي بمضامين استراتيجية تستلهم الثوابت الوطنية والمرجعيات الدستورية، وتترجم التوجيهات الملكية إلى رؤى قابلة للتنفيذ. وقد تجلى هذا الدور بوضوح من خلال مساهمات عدد من الأساتذة التجمعيين في ورش إعداد البرنامج الانتخابي لسنة 2021م ، حيث وُضع ملف الصحراء المغربية ضمن الأولويات الوطنية، في إطار تصور شمولي يعزز تموقع المغرب كقوة إقليمية صاعدة وفاعل مسؤول على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وانسجامًا مع التوجيهات الملكية الداعية إلى تعبئة كافة الفاعلين، وفي طليعتهم الأحزاب السياسية، للدفاع عن الوحدة الترابية، نظم حزب التجمع الوطني للأحرار سلسلة من الندوات واللقاءات التكوينية حول قضية الصحراء المغربية. ففي نونبر 2024م ، أعلن الحزب عن إحداث لجنة خاصة تضم أطرًا أكاديمية تُعنى بالتكوين والترافع حول مغربية الصحراء، تتولى إعداد وتأطير المناضلين بشأن الآليات القانونية والسياسية والتاريخية المؤسِّسة للموقف المغربي، وتُعزز قدرات الحزب الترافعية في المحافل الدولية، عبر توظيف أدوات الدبلوماسية الحزبية بشكل فعال ومدروس.
وفي فبراير 2025م ، أطلق الحزب حملة وطنية واسعة لتعبئة الرأي العام وتعزيز التواصل الدولي بشأن عدالة قضية الصحراء المغربية. وقد صُممت هذه الحملة بطريقة منهجية لضمان إيصال الرسالة المغربية إلى المنتظم الدولي بفعالية، وتوفير أرضية متينة لأي تحرك سياسي أو دبلوماسي يُراد له النجاح. وفي الإطار ذاته، نظّمت اللجنة المكلفة بملف الصحراء دورة تكوينية بمدينة الداخلة لفائدة برلمانيي الحزب، تحت عنوان: “تقنيات الترافع عن قضية الوحدة الترابية”، أشرف عليها الأستاذ محمد أوجار، عضو المكتب السياسي، بحضور منسقين جهويين وعدد من الأساتذة الجامعيين والبرلمانيين والمناضلين. وتعكس هذه المبادرات التزام الحزب الراسخ بقضية الصحراء المغربية، وسعيه لتوظيف إمكاناته التنظيمية والمعرفية لترسيخ الدبلوماسية الحزبية كرافد موازٍ للدبلوماسية الرسمية.
وفي مارس 2025م ، نظمت شبكة الأساتذة الجامعيين للحزب، فرع بني ملال خنيفرة لقاءً علميًا بعنوان: “البعد التنموي للعمل الحكومي وتحديات الإكراهات: مسؤولية، كفاءة، تنزيل”. ترأس اللقاء الأستاذ محمد الصديقي، رئيس شبكة الأساتذة الجامعيين ووزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية الأسبق، حيث شدد على الدور المحوري للنخبة الأكاديمية في توجيه العمل السياسي وصياغة السياسات العمومية، مبرزًا قدرتها على تقديم أفكار وآراء مبنية على تحليل علمي ومعطيات دقيقة. وقد شارك في هذا اللقاء نخبة من الأكاديميين والأساتذة الجامعيين وأعضاء المكتب السياسي ومنسقي الحزب، وتم خلاله التأكيد على أهمية الترافع الأكاديمي في الدفاع عن القضايا الوطنية.
2- الترافع الأكاديمي: من إنتاج المعرفة إلى خدمة القضية
يُعد الترافع الأكاديمي من أبرز أشكال إسهام الأستاذ الجامعي التجمعي في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، إذ يُنتج معرفة علمية رصينة تُؤسس لمشروعية الموقف المغربي، مرتكزة على أدوات تحليلية وتوثيقية دقيقة. وتمتاز هذه المعرفة بطابعها التراكمي والموسوعي، حيث تجمع بين الأبعاد التاريخية، والحقوقية، والسياسية، ما يُتيح للأستاذ الجامعي تقديم مقاربة شاملة ومتوازنة لقضية الصحراء المغربية، تتجاوز الخطابات الظرفية والانفعالية.
ولا يقتصر هذا الدور على الحقل الأكاديمي، بل يمتد إلى الفضاء العمومي من خلال المشاركة في النقاشات الوطنية، والإسهام في بناء وعي جماعي مستنير بالقضية الوطنية، استنادًا إلى موقعه كخبير موثوق وصاحب رأي معرفي مرجعي. وفي هذا الإطار، يُجسد الأستاذ الجامعي التجمعي نموذجًا للفكر الملتزم، الذي يُسخّر أدواته العلمية لخدمة القضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية التي تُمثل جوهر الترافع الوطني وأحد مرتكزات الأمن الاستراتيجي للمملكة.
وفي يناير 2025م ، نظمت الجمعية المغربية للإغاثة المدنية بشراكة مع حزب التجمع الوطني للأحرار ندوة وطنية بمدينة الداخلة، خُصصت لموضوع “آليات الترافع عن قضية الصحراء المغربية”، بحضور نخبة من القيادات الحزبية والأكاديمية. وقد تمحور اللقاء حول ضرورة تعزيز الوعي الجماعي وتنسيق جهود مختلف الفاعلين خدمةً للأهداف الوطنية الكبرى، تماشياً مع الخطاب الملكي السامي الذي أكد فيه جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أن “قضية الصحراء المغربية هي القضية الأولى لجميع المغاربة”، داعياً إلى التعبئة الشاملة لحمايتها باعتبارها قضية وجودية تتعلق بالسيادة والهوية الوطنية.
وأشاد المشاركون بالدينامية المتصاعدة التي يشهدها مخطط الحكم الذاتي، وبدعم المنتظم الدولي المتزايد لمغربية الصحراء، لا سيما من القوى الكبرى، وعلى رأسها فرنسا، التي جددت في قرار حديث دعمها الصريح لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، في خطوة تعزز الموقف الدبلوماسي المغربي وتعكس نجاعة مقاربته السياسية في تدبير هذا الملف الاستراتيجي.
وفي هذا السياق، يُعد الأستاذ الجامعي محمد هموش نموذجًا بارزًا للترافع الأكاديمي، حيث نسّق وأشرف سنة 2023 م على إصدار كتاب جماعي مرجعي بعنوان: ” تثمين القرار الإسباني بشأن مقترح الحكم الذاتي””، بمشاركة نخبة من الباحثين. وقد تناول المؤلف التحولات الجيوسياسية المرتبطة بالملف، وأبرز توظيف المغرب لأدوات القوة الناعمة في إطار استراتيجية القوة الذكية، بما ساهم في تقليص مخاطر التصعيد العسكري والدبلوماسي، كما حصل في أزمة الكركرات. واستعرض المؤلف آليات التأثير غير التقليدية التي اعتمدها المغرب لتعزيز موقعه الدولي، وتحصين مكتسباته دون الانجرار إلى مواجهات قد تؤثر سلبًا على صورته الدولية أو على “مؤشرات السمعة” التي تُعد رافعة أساسية في السياسات الخارجية المعاصرة.
وقد حظي هذا العمل الأكاديمي بتقدير ملكي سامٍ، إذ عبّر جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في رسالة تهنئة رسمية، عن إشادته بالقيمة العلمية للكتاب وللأستاذ الجامعي في دعم مسار استكمال الوحدة الترابية للمملكة. ومما جاء في نص الرسالة الملكية:
“مقدّرين هذا المجهود العلمي الأكاديمي القيّم، الذي لا شك في أنه سيثري خزانة العلاقات المغربية الإسبانية، ولاسيما ما يتعلق منها برصد مسار استكمال الوحدة الترابية لمملكتنا العزيزة، والتعريف به إقليمياً ودولياً، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية الدولية الراهنة.”وأضاف جلالته: “مع صادق متمنياتنا لكم، ولكل من ساهم في إنجاز هذا العمل الأكاديمي الجاد، بموصول التوفيق والعطاء، مشمولين بسابغ عطفنا ورضانا.” (حرر بالقصر الملكي بالرباط، يوم الاثنين 23 ذي الحجة 1444هـ الموافق 12 يونيو 2023م.)
إذ يؤكد هذا التكريم الملكي أن الأستاذ الجامعي، من موقعه الأكاديمي، يُعد فاعلاً استراتيجياً في الدبلوماسية الموازية، من خلال إنتاج معرفة علمية موثوقة تُسهم في ترسيخ الخطاب الوطني داخل المحافل الفكرية والسياسية الدولية، وتعزز حضور المغرب كقوة فكرية وقانونية في الدفاع عن وحدته الترابية.
3-الأستاذ الجامعي التجمعي: ركيزة أساسية في معركة الترافع الأكاديمي حول مغربية الصحراء
يُشكّل الأستاذ الجامعي التجمعي ركيزة محورية في معركة الترافع الأكاديمي عن مغربية الصحراء، إذ يجمع بين رصيد معرفي رصين ومصداقية مؤسساتية وازنة. ويتمتع هذا الفاعل الأكاديمي بحضور مؤثر داخل الفضاءات الفكرية والجامعية، مدعوم برؤية استراتيجية تمكّنه من تفكيك الخطابات الانفصالية وترسيخ الرواية الوطنية بأسلوب عقلاني، هادئ، ومقنع. وبفضل ما يتحلى به من دينامية فعالة وحضور سياسي واعٍ، يتجاوز الأستاذ الجامعي دوره المهني التقليدي ليضطلع بمهمة دبلوماسية ناعمة، تُسهم من موقعه الأكاديمي في الدفاع عن السيادة الوطنية. فمشاركته في المحافل العلمية والندوات الدولية لا تقتصر على تقديم معطيات وحقائق موضوعية، بل تمتد إلى بناء سردية علمية متماسكة تدعم مشروعية الموقف المغربي في قضايا الوحدة الترابية.
وفي سياق المواجهة الدولية متعددة الأبعاد، يكتسب هذا الترافع الأكاديمي قوة تأثير متزايدة على مواقف الدول والمنظمات، ويسهم في إعادة تشكيل التصورات الدولية حول قضية الصحراء المغربية. وفي هذا الإطار، أشرف الأستاذ محمد هموش، أستاذ التعليم العالي بكلبة اللغات والآداب والفنون، جامعة ابن طفيل القنيطرة على تنظيم ندوتين دوليتين نوعيتين، ساهمتا في تعزيز الدبلوماسية الموازية وخدمة القضايا الوطنية الكبرى:
1: الندوة الدولية الأولى حول “تثمين القرار الإسباني بشأن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المملكة المغربية”، المنعقدة يوم الأربعاء 24 غشت 2022م بكلية اللغات والآداب والفنون بجامعة ابن طفيل – القنيطرة. وقد جاءت هذه الندوة في سياق المبادرات الأكاديمية الهادفة إلى ترسيخ الطرح المغربي بشأن قضية الصحراء، من خلال تسليط الضوء على الأبعاد السياسية والدبلوماسية للقرار الإسباني الداعم لمبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الحل الواقعي الوحيد للنزاع المفتعل، وكآخر عرض سيادي يقدمه المغرب تحت سيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية.
2: الندوة الدولية الثانية بعنوان “استكشاف الروابط المنسية بين المغرب وأمريكا اللاتينية:من التبادل الثقافي إلى التعاون الاستراتيجي”. المنعقدة يوم الإثنين 21 غشت 2023 بنفس الفضاء الجامعي. وقد شكلت هذه الندوة منصة حوار مفتوحة بين أساتذة وباحثين مغاربة ونظرائهم من جامعات أمريكا اللاتينية، استهدفت استكشاف الروابط التاريخية والثقافية المشتركة، واستثمارها في تقوية القوة الناعمة المغربية، لمواجهة الصور النمطية المغلوطة التي روّجت لها دعاية خصوم الوحدة الترابية داخل الأوساط الجامعية اللاتينية، والتي لطالما كانت أرضية خصبة لأطروحات الانفصال. وتتجلى أهمية هذه المبادرات في السياق الجيوسياسي المعقد الذي تمثله منطقة أمريكا اللاتينية، باعتبارها مجالًا رمزيًا للصراع الدبلوماسي، حيث عمد الانفصاليون إلى استغلال الإرث الثوري اليساري لتسويق أطروحتهم الانفصالية. وهو ما دفع المغرب إلى تبني مقاربة أكاديمية ذكية، تقوم على تقديم معطيات موثقة وحقائق علمية رصينة تعزز شرعيته التاريخية والسياسية في أقاليمه الجنوبية.
وقد نجحت هذه الندوة في تحقيق اختراق نوعي على مستوى الفهم الأكاديمي، من خلال إبراز عمق العلاقات المغربية – اللاتينية، وفتح قنوات جديدة للفهم والدعم، حيث عبّر عدد من الأكاديميين المشاركين عن تبنيهم خطابًا أكثر إنصافًا وتفهّمًا للموقف المغربي. وهكذا، تحولت هذه المبادرات إلى منصات دبلوماسية ناعمة، أسهمت في توسيع قاعدة الدعم الأكاديمي الدولي، وفتحت آفاقًا واعدة أمام المغرب في واحدة من أكثر الساحات الجيوسياسية تعقيدًا وحساسية.
4- البحث الأكاديمي والدبلوماسية الاستباقية: ركيزتان استراتيجيتان في خدمة القضية الوطنية
يُعدّ البحث الأكاديمي والدبلوماسية الاستباقية من الركائز الأساسية التي تعتمد عليها المملكة المغربية في تعزيز حضورها الدولي، لاسيّما في ما يتصل بالقضايا السيادية الكبرى، وفي مقدّمتها قضية الصحراء المغربية. وفي هذا الإطار، يُجسّد الأستاذ الجامعي المنتمي إلى المدرسة التجمعية نموذجًا حيًّا للمثقف الملتزم، الذي يزاوج بين الرصانة العلمية والانخراط الواعي في تحليل التحولات الجيوسياسية بما يخدم المصالح العليا للوطن.
يرتكز هذا النوع من الاشتغال الأكاديمي على تتبّع التحوّلات البنيوية في النظام الدولي، سواء على المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية، بهدف استباق التحديات واستثمار الفرص الممكنة لتعزيز الموقع الاستراتيجي للمغرب، وتوسيع نطاق شراكاته الدولية. وبهذا المعنى، يتحوّل البحث العلمي من مجرد إنتاج للمعرفة إلى أداة فعالة للتأثير في دوائر صناعة القرار السياسي والدبلوماسي. وفي هذا السياق، نظّم الأستاذ محمد هموش ندوة دولية متميزة، انعقدت يوم السبت 14 دجنبر 2024م بفندق “إربان” بمدينة القنيطرة، تحت عنوان: “العلاقات المغربية-البريطانية: شراكة استراتيجية في عالم متغير”. وقد مثّلت هذه الندوة نموذجًا رائدًا لتفعيل البحث الأكاديمي في خدمة الدبلوماسية الاستباقية، من خلال نقاش علمي معمّق تناول آفاق الشراكة المغربية البريطانية في مرحلة ما بعد “البريكسيت”، وسُبل توظيف هذه الدينامية الثنائية في دعم مبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
استهدفت الندوة استشراف مستقبل التعاون بين المملكة المغربية والمملكة المتحدة، مركزة على الأبعاد الاستراتيجية التي من شأنها تعزيز موقع المغرب كحليف موثوق وشريك محوري لبريطانيا في منطقة شمال إفريقيا. وقد استندت هذه المقاربة إلى التوجيهات الملكية السامية، التي تدعو إلى تعزيز ريادة المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي، في انسجام تام مع الرؤية المتبصّرة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله. أبرزت النقاشات العلمية كيف يمكن للبحث الأكاديمي، عبر أدوات التحليل العميق والاستشراف الذكي، أن يضطلع بدور فاعل في دعم الخطاب الدبلوماسي المغربي، من خلال معالجات تتجاوز عرض الوقائع إلى استكشاف سيناريوهات التعاون الممكنة، وفتح آفاق جديدة للتحالفات التي تخدم المصالح الوطنية في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها النظام العالمي.
وقد برهنت هذه الندوة، التي أشرف عليها الأستاذ محمد هموش، على قدرة الأكاديميين على التفاعل البنّاء مع المستجدات الدولية، وعلى دورهم المركزي في الدفع بمسارات الدبلوماسية الأكاديمية نحو خدمة قضايا استراتيجية كقضية الصحراء المغربية. ومن خلال التفاعل الواعي مع التحولات الجيوسياسية واستثمار الفرص المتاحة، يُكرّس الأستاذ الجامعي موقعه كفاعل محوري في صناعة التغيير، على المستويين الداخلي والدولي.
في الختام ، يشكل الأستاذ الجامعي التجمعي رافعة استراتيجية في الترافع عن القضايا الوطنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، من خلال جمعه بين الكفاءة العلمية العالية والانخراط الواعي في القضايا السيادية. فهو يزاوج بين البحث الأكاديمي الرصين والدبلوماسية الموازية، مُسهمًا في تفكيك الخطابات المعادية وتعزيز القضية الوطنية داخل المحافل العلمية والإعلامية، وطنياً ودولياً. كما تبرز مساهمته من خلال تنظيم ندوات دولية نوعية، وتفعيل دبلوماسية استباقية تنسجم مع التوجهات الملكية السامية، وتسهم في توسيع قاعدة الدعم للموقف المغربي على الساحة الدولية.
Comments ( 0 )