الأشبال في الفينال
تأهل تاريخي للمنتخب المغربي أقل من 20 سنة إلى نهائي كأس العالم في لحظة تكتب التاريخ الذهبي لكرة القدم المغربية، يقف منتخب “الأشبال” – المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة – على أعتاب النهائي في كأس العالم للشباب، المقامة حالياً في تشيلي.
هذا التأهل ليس مجرد إنجاز رياضي، بل هو شهادة على التحول الجذري الذي أحدثته الكرة المغربية الحديثة، التي أصبحت عنواناً لأداء يجمع بين الجرأة والانضباط، والإبداع والذكاء التكتيكي.
مع اقتراب النهائي أمام الأرجنتين يوم الأحد المقبل، يعيد هذا الحدث الأضواء على مسيرة “أسود الأطلس الصغار”، وكيف أصبحوا رمزاً للأمل في مستقبل الكرة المغربية.
رحلة الأشبال من التصفيات إلى النهائي التاريخي، بدأت قصة هذا الإنجاز في تصفيات كأس أمم إفريقيا تحت 20 سنة، التي احتضنتها مصر في 2025، حيث أظهر المنتخب المغربي تفوقاً واضحاً ليحجز بطاقته إلى المونديال التشيلي كأحد المنتخبات الأربعة المؤهلة من القارة السوداء، إلى جانب نيجيريا ومصر وجنوب أفريقيا. كان الفوز في النهائي القاري على تونس بركلات الترجيح خطوة حاسمة، أكدت فيها الإرادة الصلبة للاعبين بقيادة المدرب محمد وهبي، الذي بنى فريقاً يعتمد على التناغم الجماعي بدلاً من النجومية الفردية.
مع انطلاق البطولة في تشيلي يوم 27 سبتمبر 2025، وقعت القرعة المنتخب المغربي في مجموعة صعبة (المجموعة الثالثة)، إلى جانب عمالقة مثل البرازيل (حاملة اللقب خمس مرات)، المكسيك، وإسبانيا. لكن “الأشبال” لم يخذلوهم؛ فازوا على إسبانيا 2-0 في المباراة الافتتاحية، مما أشعل حماس الجماهير المغربية عالمياً. ثم جاءت المواجهة الحاسمة أمام البرازيل في دور الـ16، حيث انتصر المغاربة 2-1 في مباراة شهدت إيقاعاً هائلاً، ليتقدموا إلى ربع النهائي. هناك، أمام الولايات المتحدة، حققوا فوزاً مقنعاً 3-1، مؤكدين قدرتهم على مواجهة الخصوم الأقوياء.أما نصف النهائي أمام فرنسا، فقد كان قمة الإثارة، تعادل 1-1 بعد الوقتين الأصلي والإضافي، ثم فوز 5-4 بركلات الترجيح، بفضل تصديات حاسمة من الحارس الاحتياطي عبد الحكيم المصباحي، الذي دخل في الدقائق الأخيرة. هكذا، أصبح المغرب أول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى نهائي كأس العالم تحت 20 سنة، متجاوزاً إنجازه السابق في 2005 حيث احتل المركز الرابع في هولندا. هذا التأهل ليس صدفة، بل نتيجة لبرنامج تدريبي متكامل يركز على الفئات السنية، كما أكد الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) في تقريره عن البطولة.
الاستثمار في الشباب والبنية التحتية، جعل هذا التأهل ممكناً، الاستثمار الاستراتيجي في الفئات السنية. فمنذ فوز المنتخب الأولمبي بالبرونزية في أولمبياد باريس 2024، مروراً بلقب كأس أمم أفريقيا تحت 23 سنة في 2023، وصولاً إلى تتويج الناشئين تحت 17 سنة بكأس أمم إفريقيا 2025، أصبح المغرب نموذجاً أفريقياً في بناء الجيل القادم. الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تحت قيادة فوزي لقجع، أطلقت برامجاً لتطوير الأكاديميات، مع التركيز على اكتشاف المواهب في وقت مبكر والتدريب المهني. هذا النهج أنتج لاعبين مثل يوسف أنور، الذي سجل هدفاً حاسماً أمام فرنسا، وأصبح رمزاً للجيل الجديد، الروح القتالية والجاهزية الذهنية. في مواجهاتهم، أظهر الأشبال قدرة فائقة على التعامل مع الضغوط، كما في مباراة البرازيل حيث قلبوا النتيجة في الشوط الثاني، أو أمام إسبانيا بفضل دفاع صلب وهجمات مرتدة فعالة. هذه الروح مستمدة من تراث المنتخب الأول، الذي أذهل العالم في قطر 2022، وأصبحت جزءاً من هوية الكرة المغربية. ان ننسى هنا الدعم الشعبي واللوجستي. فآلاف المغاربة في المهجر تابعت المباريات في شاشات عملاقة و داخل ملاعب الشيلي، مما أضفى طاقة إيجابية على اللاعبين. كما ساهمت الشراكات الدولية، مثل التعاون مع أندية أوروبية، في تهيئة اللاعبين لمستوى عالمي.
الكرة الحديثة أصبحت عنوان أداء المنتخب المغربي، ما يميز هذا الإنجاز هو أن الكرة الحديثة أصبحت العنوان الرئيسي لأداء المنتخب المغربي، سواء في الفئات الشابة أو الأولى. تحت قيادة مدربين مثل وليد الركراكي في المنتخب الأول، ومحمد وهبي في الشباب، تحول الأسلوب من الدفاعي التقليدي إلى هجومي ذكي يعتمد على الضغط العالي والكرة السريعة. في نصف النهائي أمام فرنسا، تخلى الأشبال عن التراجع الدفاعي المعتاد أمام البرازيل وإسبانيا، ليفرضوا إيقاعاً مرتفعاً منذ الدقيقة الأولى، مع رقابة لصيقة على مفاتيح الخصم مثل “بيناما” الفرنسي. هذا التحول يعكس تأثير الكرة الحديثة، الضغط الجماعي، التبادل السريع للكرة، والاعتماد على اللياقة البدنية العالية، مستوحاة من نماذج أوروبية مثل “برشلونة” أو “ليفربول”، لكن مع لمسة مغربية في الإبداع الفردي.هذه الكرة ليست جديدة؛ إنها امتداد لما رأيناه في قطر 2022، حيث وصل المنتخب إلى نصف النهائي بفضل دفاع صلب وهجمات مرتدة قاتلة. اليوم، تنتقل هذه الفلسفة إلى الأجيال الشابة، مما يجعل المغرب قوة عالمية محتملة. كما قال المدرب وهبي بعد الفوز على فرنسا: “نلعب كرة حديثة، ليست دفاعية فقط، بل تهدف إلى السيطرة والإبداع”.
الصورة الأكبر
نحو لقب يُكتب بالذهب مع اقتراب النهائي أمام الأرجنتين – بطلة ست مرات – يحمل الأشبال على عاتقهم حلم الأمة. سواء فازوا أم لا، فإن هذا التأهل يؤكد أن الكرة المغربية الحديثة ليست مجرد وعد، بل واقع يبنى يوماً بعد يوم. إنه عنوان لأداء يجمع بين التراث والابتكار، ويفتح أبواباً لمستقبل مشرق. الأشبال في النهائي، والمغرب كله ينتظر المعجزة!
Comments ( 0 )