الإحصاء العام: تجربة الباحث الميداني بين القيمة العملية والاسهام الإنساني
بعيدا عن الأجرة التي يمكن أن يتحصّلها الباحث الميداني في الإحصاء و بعيدا عن صراع الأجيال داخل مجموعات الأساتذة حول أحقية المعطلين في العمل بالبحث الميداني عوض الأساتذة، لأنها في كل الأحوال آراء تصب في وعاء الحلول الترقيعية تجاه معضلة بطالة الشباب. و لأن أجرة الباحث الميداني في جميع الأحوال لن تمنحك رقم تأجير دائم بالوظيفة العمومية بقدر ماهية مهمة شهر من العمل الميداني يكون فيه الباحث أقرب لاكتساب قيم الإنسانية، ستمكن المتعاقدين الجدد بهيئة التدريس من نسيان الإستحقاق و الاندماج في المساهمة المجتمعية خارج حجرة الدرس لاكتساب مهارات تواصلية من نوع آخر.
و بحكم تجربتي في العمل بالإحصاء 2014 و انا يوم صحفي مهني اميل أكثر للعمل الميداني بعيداً عن المكاتب، اتذكر التجربة الإنسانية الفريدة و المهارات المكتسبة ميدانياً بعملي كباحث مع المندوبية السامية للإحصاء أكثر من تذكري للأجرة المحصلة بعد انتهاء المهمة وكم كانت قيمتها. لأن القيم الإنسانية التي ستكتسبها ببحثك الميداني سيكون لها وقع طيب لإكمال مسيرتك المهنية إن تتبعت خطوات ارشاد البحث الميداني وضعت مسافة امان مع الآراء حول احقيتك في المشاركة بهذا العمل الوطني التطوعي، لانك ستتلقى بدورك اسئلة في الميدان و نظرات فضولية ستكشف لك لا محالة عن قدراتك التواصلية و قيمك الإنسانية التي لم تنتبه لها في تجاربك السابقة، و التي يمكن وصفها بـ life expérience أو تجربة للتعمق في فهمك للعديد من الأمور التي لن تتلقاها في التدريب الأكاديمي أو داخل المدرسة.
لأن العمل كباحث ميداني في الإحصاء العام للسكان من المهمات التي تتطلب مجموعة من المهارات والقيم الإنسانية التي تسهم في تحقيق الأهداف النهائية للمشاريع الإحصائية بنجاح خاصة وأن إحصاء هذه السنة سيكون قاعدة أساسية للبيانات التي تحتاجها استراتيجيات النموذج التنموي الجديد لمواصلة التنمية المستدامة في المغرب.
أهم المهارات و القيم الإنسانية المكتسبة في العمل الميداني:
التعاطف والتفهم:
في الميدان، يتفاعل الباحثون مع مختلف شرائح المجتمع، مما يتطلب منهم التعاطف والتفهم. فمن خلال التفاعل مع الأفراد، يتعلم الباحث أهمية الاستماع والاستجابة بفعالية لمختلف الظروف والخلفيات الثقافية.
الاحترام والتقدير:
يعد احترام خصوصية المشاركين وتقديرها جزءًا أساسيًا من عملية البحث. فمن خلال الميدان فقط يتعلم الباحث كيف يحترم الاختلافات ويحافظ على سرية المعلومات، مما يعزز الثقة بينه وبين مجتمعه الذي يعمل فيه.
المسؤولية والالتزام:
تتطلب مهمة البحث الميداني الدقة في جمع البيانات و مراعاة المواعيد النهائية لتسليم البيانات. و هذا يعزز الشعور بالمسؤولية والقدرة على الالتزام، وهما قيمتان مهمتان في الحياة العملية والشخصية على حد سواء.
الشفافية والنزاهة:
النزاهة في جمع البيانات وتقديمها بشكل شفاف يساعد في بناء المصداقية ليس فقط للباحث، بل للمؤسسة التي يمثلها أيضًا. هذه القيمة تعلم الباحث أهمية الصدق في كافة جوانب حياة الفرد.
العمل الجماعي والتعاون:
غالبًا ما يعمل الباحثون الميدانيون ضمن فرق يترأسها مراقب، مما يعزز من قدرتهم على العمل بروح الفريق والتعاون مع الآخرين لتحقيق الأهداف مشتركة. هذه التجربة تعزز القيم الكامنة في التعاون والدعم المتبادل.
الصبر والمثابرة:
اكيد ستواجه الباحث و الباحثة بالاخص تحديات عديدة مثل الظروف الجوية السيئة التي ترافق شهر سبتمبر أو صعوبة الوصول إلى بعض المواقع. و يتطلب النجاح في مثل هذه الظروف صبرًا ومثابرة، مع مراعاة تدبير الوقت و الجهد مما يضيف إلى شخصية الباحث قوة وثباتًا يمكن أن تصبح من سمات شخصيته.
منظور أوسع
من خلال العمل في الاحصاء العام، لا يساهم الباحث الميداني في إثراء البيانات الإحصائية فحسب و ضخ مزيد من الأموال في رصيده البنكي، بل يتبنى أيضًا تجربة اجتماعية وإنسانية غنية تطور من شخصيته وقيمه الفردية، ليصبح فردًا فعالاً يسهم في بناء مجتمع متماسك ومتطور، خاصة وأن هذه السنة تعرف مشاركة جيل من الأساتذة حديثي التخرج بحاجة لتجارب ميدانية ستعطيهم بلى شك تميزاً على من فضل عدم التطوع و التواري خلف منصات التواصل بهوية مجهولة لوصف زملائه في العمل بـ “العطاشة” ومواصلة تفكيره داخل صندوق الايديولجيات.
Comments ( 0 )