التكافل الاجتماعي عبر التاريخ المغربي: جذور التضامن في رمضان
الأحد 2 مارس 2025، يبدأ رمضان 1446 هـ، حاملاً معه عبق الروحانية ودفء التضامن. في كل بيت، في كل زقاق، يتردد صدى دعوة خفية: دعوة لنكون أيادٍ تبني وقلوباً تعطي. لأن رمضان في المغرب ليس مجرد صيام وعبادة، بل هو موعد سنوي مع التكافل الاجتماعي الذي نسجه أجدادنا عبر التاريخ .
رمضان في المغرب ليس مجرد رحلة روحية فردية، بل هو موسم للتكافل والتضامن الاجتماعي الذي طالما شكّل جزءاً لا يتجزأ من هوية هذا البلد. من أزقة المدن القديمة إلى القرى النائية و الجبال و الصحراء، تحمل تقاليد رمضان قصصاً عن الفتوحات و النجاح و العطاء والتراحم عبر العصور. جذور التكافل الاجتماعي في التاريخ المغربي تدعونا اليوم لنستلهم منها و نرسم معاً حلولاً لمجتمع أكثر تماسكاً في رمضان هذا العام.
الجذور التاريخية للتكافل بدأت في التآكل و هذا واقع متفق عليه على لسان المُسنين بمجرد بدأ الحديث عن الفرق بين الامس و اليوم، الأمس رغم عدم وفرة الموارد كان أكثر وفرة من حيث القيم و صور التضامن و التآزر، بينما اليوم يرثي الماضي القريب الذي كانت تفتح فيه الأبواب للفقراء و عابري السبيل دون دعاية أو محاولة لمعالجة الصورة.
في العصور الوسطى، كان للزوايا في المغرب دور مركزي في التعليم والدعم الاجتماعي. خلال رمضان، كانت الزوايا تفتح أبوابها للفقراء والمسافرين، تقدم الطعام والمأوى. “مائدة الرحمن” التي نراها اليوم ليست إلا امتداداً لهذا التقليد العريق الذي آمن الناس من خوف و وحدة.
الزاوية التيجانية والقادرية كغيرهما كانتا رمزاً للعطاء في المناطق الريفية و ابواب المدن العتيقة.
في المدن العتيقة
في فاس والرباط و آسفي و مراكش، كان التجار والأعيان يتنافسون في رمضان لتقديم “الصدقة”، سواء بتوزيع التمور والحليب عند الإفطار أو بإطعام الجيران. كان الشعار “الجار قبل الدار” يتجسد في كل زقاق.
رمزية التكافل في مهنة “مول النفار”
شخصية مول النفار او”المسحراتي” لم تكن مجرد منادٍ للسحور ينتظر سخاء جيوب المؤمنين، بل كان حلقة وصل بين الأسر. كان يجمع التبرعات من الأغنياء لمساعدة الفقراء، مضيفاً بُعداً اجتماعياً لدوره الإعلامي.
عادات شعبية:
قفة رمضان: تقليد موروث يعكس روح التكافل، حيث كانت الأسر تحضر “القفة” الحلوى والتمر والحريرة لتوزيعها على المحتاجين.
الدروس الحسنية: منذ عهد السلطان الحسن الثاني رحمة الله عليه، كانت هذه الدروس تجمع النخبة والعامة، وترافقها الدعوة إلى الرقي بالقيم السمحاء للدين الإسلامي و ترسيخ قيم التضامن.
الرسالة المعاصرة:
اليوم، ونحن نطل على رمضان 2025، تبقى هذه الجذور التاريخية مصدر إلهام للكثيرين. لكن التحديات تغيرت: ارتفعت الأسعار، و تم تسييس القفة و تفككت بعض الروابط الاجتماعية، وتزايدت بالمقابل احتياجات الفئات الهشة.
و السؤال المطروح اليوم!
كيف يمكننا إحياء روح التكافل بأدوات عصرية؟
في الأسابيع القادمة سنستكشف معاً واقع التضامن في المغرب اليوم، سنقترح حلولاً تجمع بين الأصالة والابتكار.” و ننتظر المبادرات الخلاقة التي نتمناها أن تكون بعيدة عن السياسة، قريبة من نبض المجتمع الذي عبر عن ارتياحه، بعد رفع الحرج عنه بقرار إلغاء عيد الأضحى، الذي أرهق تفكيره و موجة الغلاء الذي أصابته في تماسكه و أنست البعض جوهر العيش الكريم.
منظور أوسع:
رمضان ليس فقط شهر الصيام، بل هو دعوة لننظر حولنا ونمد يد العون. فلنجعل من هذا الأول من رمضان بداية لعهد جديد من التكافل، مستلهمين ماضينا لنبني مستقبلنا. كل عام وأنتم بخير.
Comments ( 0 )