الحِجر و مهرها: عندما يبتسم القدر
سخرية الأقدار تتجلى أحيانًا في قصص لا تخطر على بال أحد، كهذه الفرسة التي أمضت سنوات طويلة في عذاب صامت، تجرّ “كروصة” ثقيلة تحت وطأة سياط صاحبها الذي لم يعرف للرحمة طريقًا. كانت أيامها تتشابه، مليئة بالتعب والألم و كدمات ظاهرة للعيان العميان، وكأن القدر حكم عليها بحياة لا ترى فيها إلا الظلام. لكن الأقدار، بطبيعتها الغامضة، تحمل في طياتها مفاجآت لا يتوقعها أحد.
لجأت إلى ساحة خلاء جنب حينا، بعد أن استنزفت قواها، و تخلى عنها صاحبها بلا رحمة، تاركًا إياها وحيدة تحت شمس حارقة و أرض مُقفرة، كأنها لم تكن يومًا رفيقة دربه و مصدر رزق. لكن السماء، التي طالما بدت صامتة عدى زفير رياح الشرگي، كانت تعدّ لها شيئًا آخر. عادت السماء بأمطار خير لم تشهدها الحجر منذ سنوات، كسرت قيود الجفاف الطويل، فانفجرت الحياة في الأرض التي كانت ميتة. وتحولت ساحة الأزبال إلى مرج أخضر، والأعشاب نبتت كأنها تحتفل بانتصار الحياة للحجر و مهرها.
ظهر مهر جميل، قوي ونبيل، كأنه هدية من القدر ليؤنس وحدتها. بدأت الفرسة، التي كانت يومًا أسيرة قيود العربة، حياة جديدة بصحبته وسط الأعشاب اليانعة، و عيونها لم تنسى مرارة الماضي، تعانق اليوم الحرية التي طالما حلمت بها. سخرية عجيبة، تلك، التي قلب بها القدر موازين حياتها؛ من العذاب إلى السعادة، ومن الإهمال إلى الرفقة الجميلة، لتثبت لنا السماء من حديد أن ما يبدو نهاية قد يكون بداية لشيء أجمل.
Comments ( 0 )