الرايس سعيد أشتوك أيقونة الفن الأمازيغي
يشرفنا اليوم في هذا المقال أن نسلط الضوء على أسطورة فنية نادرة في الفن الأمازيغي، جمع بين الأخلاق والإبداع في آن واحد. ترك بصمة خاصة في قلوب جمهوره وفي مساره الفني كذلك. إنه الرايس سعيد أشتوك، ابن قرية يزوران بمنطقة سوس، ولد في ثلاثينيات القرن الماضي وسط أسرة محافظة، إلا أنه اختار أن يشق طريقه بين دفوف تالونت وأنغام الوتار لينسج أجمل الكلمات والأغاني ويصبح سفيرًا لفن تيرويسا الأصيل.
كان الفنان سعيد أشتوك مخلصًا في أعماله، فقد كان يشتغل فلاحًا بسيطًا بالنهار، وفنانًا متألقًا في الليل. كتب عن الحب، الوطن، القهر، والأرض التي تأكلك قبل أن تشبعك. كما غنّى عن جراحه أيضًا، بل أبدع حتى وهو على فراش المرض.
خطف سعيد أشتوك قلوب عشاق الفن الأمازيغي الأصيل في زمانه، وخلدته مدرسته التي تخرّجت منها أسماء وازنة في الساحة الفنية، أبرزها رقية الدمسيرية، فاطمة الناشطة، جامع الحاميدي وآخرون. كلهم يشهدون أن هذا الرجل كان أبًا فنيًا، يعلّم، يُرشد، ويمنح الأمل.
يُعد سعيد أشتوك فنانًا حقيقيًا يتمتع بحس الفكاهة والعفوية، يضحك جمهوره ببساطة وتلقائية. يُذكر أنه قال في إحدى سهراته لإسكات من يتكلم: “إما أن تصمتوا … أو أغادر برجل واحدة”. وكان إذا غنّى، يسكت الجميع ويتابعون صوته الذي يلامس القلوب ويسحرها.
لم تقتصر مواهبه على الفن فقط، بل كان منتخَبًا، ورياضيًا، وفلاحًا، وأبًا وزوجًا وفيًا. كما ترأس فريق تقدم بوكيري و واحد من أبرز مشجعي فريق حسنية أكادير. يُذكر أنه كان يمول فنه من ماله الخاص، ويبدع فيه حتى أصبح صدًى لعشق جمهوره من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه.
لكنه لم يسجّل أغانيه احترامًا لوصية والده الفقيه، الذي اشترط عليه ألّا يُلهي الناس عن ذكر الله، وألّا يغني في الخارج، فبقي صوته محفوظًا في قلوب محبيه بدلا من الأشرطة أو الأقراص.
لم يكن رحيله سهلًا، لا على القريب ولا على البعيد. فقد أبكى الشعراء، وغنّت له النساء حزنًا جسدته رقية الدمسيرية بلباسها الأبيض حدادًا على روحه الطيبة وغنّت والدمع يسبق كلماتها. أما طليقته، التي غنّى لها في إحدى سهراته بعد سنوات من الفراق لم تستطع إخفاء ألمها، فأطلقت العنان لأنين قلبها الذي استشعره الجمهور.
أضحى الرايس سعيد أشتوك ذاكرة أمازيغية حرة، واستلمت مدرسته المشعل لتواصل رسالته، وتحمي إرثه، وتحفظ أغانيه من السرقة والنسيان. وسيبقى صوته خالِد لن يكرره الزمن.
لا يزال محبوه يذكرونه في كل زمان ومكان، ومن خلال هذا المنبر يعرب أحدهم قائلًا: “سلام عليك في الخالدين، يا من جعلت من تايري فلسفة، ومن الفن رسالة، ومن الكلمة عهدًا لا يُنسى”. ومنا أيضًا كل الحب والسلام على روح خلدت بصمتها في الفن الأمازيغي الأصيل.
مقال متميز استادة سناااء مزيدا من تألق في مسارك الصحفي