الرشوة تتوغل في قلب المستشفيات العمومية بالمغرب….والمواطن بين طوابير الموت ومساومات الذل

الرشوة تتوغل في قلب المستشفيات العمومية بالمغرب….والمواطن بين طوابير الموت ومساومات الذل

 

 

 

 

رصدت مصادر خاصة لجريدة المنظور تيفي بريس مشاكل عديدة تعرقل تعميم الخدمات الصحية العمومية، وتخلق فوضى عارمة في بعض المستشفيات بالمغرب، التي باتت تعج بالمظاهر السلبية نتيجة عناصر غير مهنية ولا مسؤولة، تُسيء بشكل مباشر لصورة المستشفى العمومي، وتنسف الجهود المبذولة في القطاع الصحي.

 

وفي هذا الإطار، أكد أحد المصادر بعد تواجده بعين المكان داخل مستشفى مولاي يوسف بالرباط، أن كل ما تم تداوله من شكاوى المواطنين لم يكن مجرد ادعاءات، حيث اتضح له حجم الفوضى وسوء التسيير والاكتظاظ، ناهيك عن العراقيل التي يتسبب فيها بعض حراس الأمن الذين تجاوزوا مهامهم وأصبحوا الحلقة الأساسية في المشكلة. مما يؤكد أن المسؤولية مشتركة بين إدارة المستشفى ومسؤولي القطاع الصحي عمّا يحدث.

 

ما يثير الاستياء أن الزبونية والمحسوبية تمارَس أمام أعين الجميع، دون المراعاة لمبدأ الاستحقاق أو لحالات الاستعجال التي قد يؤدي تأخرها إلى نتائج كارثية. فالطريق نحو العلاج لم يعد يمر عبر المواعيد أو التسجيل، بل عبر تقديم رشوة بسيطة قد لا تتعدى 50 درهمًا، ليُفتح لك الباب على مصرعيه، بينما يتألم آخرون في صمت مميت.

 

وقد استمعت مصادرنا لتصريح بعض المرضى حول حديث دار بين حارس أمن ومريضة، كان بصدد مساومتها على رشوة بقيمة 50 درهمًا مقابل مساعدتها في تسريع تخليص أوراقها والدخول إلى الطبيب فورا دون المرور بطوابير “الموت البطيء”. إلا أن المريضة رفضت العرض رغم حاجتها الواضحة للعلاج، ما يعكس حجم المعاناة الأخلاقية التي تُفرض على المواطن البسيط داخل هذه المؤسسات.

 

في هذا الصدد، إن هذا المشهد الصادم يثير الاستنكار ويدق ناقوس الخطر، بل يستوجب مواجهة حازمة وجريئة لهذه الممارسات التي باتت تتحكم في الوضع الصحي والإداري معًا، وتُحول المستشفى العمومي إلى بيئة تهيمن عليها الفوضى وتغيب عنها قواعد الحوكمة الصحية. وتسود فيه منطق اللامساواة والابتزاز.

 

شددت المصادر نفسها على أن الوضع أصبح سيئًا للغاية، ويحتاج إلى تدخل فوري من إدارة المستشفى من أجل وضع حد لهذه الفوضى، خصوصًا أن النتائج بدأت تُحصد بالفعل، وليس من المبالغة القول إن الأرواح تُزهق في صمت بسبب هذه التجاوزات.

 

وهنا يُطرح تساؤل مشروع: ما هي الحلول البديلة لتجاوز هذا الواقع المؤلم؟ وهل الإدارة تدرك فعلا حجم ما يجري داخل أروقة المستشفى من تلاعب، ورشوة وممارسات تضر بالمواطن البسيط وتزيد من ألمه ومعاناته؟ ثم ماهي الخطوات المقبلة لحل هذه الاشكالات العميقة؟

 

تجدر الإشارة إلى أن مستشفى مولاي يوسف يشهد اكتظاظًا غير مسبوق بسبب الأشغال الجارية في مستشفى ابن سينا، وما تبعه من توزيع للمرضى على باقي مستشفيات الرباط. غير أن هذا الوضع لا يبرر الفوضى، ولا يبرئ أحدًا من المسؤولية، فالخروقات غير القانونية وغير الإنسانية لا يجب التساهل معها، لأن من يدفع الثمن في النهاية هو المواطن.

 

فالواقع يفرض ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتطبيق القانون في حق كل من ساهم في تسميم هذا المرفق العمومي. فهؤلاء الذين يزرعون بذور الفساد داخل القطاع الصحي يجب أن تتم مساءلتهم، تعزيزًا لمبدأ العدالة الصحية، وترسيخًا للديمقراطية التي تضمن الحق في العلاج للجميع دون تمييز.

 

بالإضافة إلى ذلك، أصبح من الضروري تعميم الإدارة الرقمية، وإدخال آلات ذكية لتنظيم الأدوار، مثل تلك الموجودة في الأبناك، وغيرها من الوسائل التكنولوجية المتاحة لتجاوز الفوضى وضمان مبدأ المساواة في الاستفادة من الخدمات. كما يجب تخصيص قسم المستعجلات فقط للحالات الحرجة التي تتطلب تدخلًا سريعًا، لأن عاملي التنظيم والتسيير يلعبان دورًا أساسيًا في تحسين جودة الخدمة وهذا ما يتطلب الوقت الراهن.

 

من جهة، تعد الرشوة هي أصل كل هذه الكوارث، ومحاربتها ليست ترفًا، بل أولوية وطنية. فالإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتم وسط العشوائية والمحسوبية، بل من خلال تطبيق مبادئ الإنصاف والمساواة في الحق في العلاج لأن الجميع سواسية في الحقوق والواجبات. وفي انتظار تلك الإصلاحات الكبرى التي يطمح إليها المغاربة، لا بد من الإنصات الجاد لما يعانيه المواطن داخل المستشفيات العمومية، والبدء الفوري في وضع حد لهذه الفوضى قبل أن تستفحل الأمور أكثر مما هي عليه.

 

فهل ستتدارك إدارة المستشفيات العمومية بالمغرب حجم المعاناة الأخلاقية والنفسية التي يتكبدها المواطن البسيط يوميًا؟ كيف ستتدخل لوضع حد لهذه التجاوزات غير القانونية التي تنخر جسد المنظومة الصحية وتُمعن في إهانة كرامة المريض؟

 

ثم لماذا لم تُعمم الرقمنة بعد؟ وأين ذهبت خطط إدماج الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي، رغم ما يوفره من حلول جذرية لمحاربة الفوضى والرشوة، وتنظيم الخدمات الصحية بشفافية وعدالة؟

 

تعد أسئلة مُلحة تنتظر أجوبة صريحة، وحلولًا واقعية عاجلة… لأن الصرخات تتعالى كل يوم من أفواه المرضى، من آهات الانتظار، من عيون فقدت الثقة، ومن قلوب لم تعد تصدّق أن الصحة حق لا امتياز.

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .