الزواج المبكر للطفلات أقل من 15 سنة مظاهره وأسبابه والنتائج المترتبة عنه
لازلنا ضمن سلسلة التحقيقات التي تصب في خضم موضوع زواج القاصرات، لكن هذه المرة سنتطرق لشق أكثر خطورة بشكل مفصل ودقيق، كما سبق وأشرنا له في المقال السالف من خلال تسليط الضوء على زواج الطفلات أقل من 15 سنة، وقد يصل الأمر في بعض الدواوير إلى تزويجهن حتى وإن كانت في 6 أو 7 من عمرها، تطبيقا للعادات والتقاليد والموروث الثقافي للمنطقة، وهي الفكرة السائدة التي تخيم على عقول الساكنة دون المراعات لحقوق هؤلاء الطفلات وانتهاك كل الأعراف والإتفاقيات الدولية التي تدافع عن حقوق الطفل وتدعو إلى تكريسها.
تطرق لموضوع زواج الطفلات مجموعة من المنابر الإعلامية والبرامج التلفزيونية التي ساهمت في إيصال صوت الطفلات إلى الرأي العام، كما أبدع في ذلك البرنامج التلفزي “تحقيق” حيث قام ببحث ميداني في عين المكان وأخذ تصريحات مباشرة من لسان الطفلات اللاتي يدلين بشهادتهن وتجاربهن لهذا الزواج أو بمعنى آخر اغتصاب، اغتيال، وئد للطفولة وضياعها تحت مسمى الزواج، على سبيل المثال نذهب إلى حالة الطفلة “س.ج” التي تبلغ من العمر 11 سنة فقط تقول “عاداتنا نتزوج ونحتفل بالعرس ثم نقيم مع الزوج 7 أيام، أما الصغيرات يقمن أقل من أسبوع في بيت الزوج وبعد ذلك يمكنها الرجوع إلى بيت أبيها إلى أن تكبر أوتحضى بقبول الزوج لبقائها معه وهذا يحدث ناذرا”.
أما بالنسبة للحالة الثانية تهم طفلة تبلغ 13 سنة تصرح “نتزوج ونقيم مع الزوج 7 ليالي وبعد ذلك نذهب إلى حال سبيلنا، كما أن زواجنا يتم بدون عقد ولا توثيق، وحين يطلبنا أحد الأشخاص للزواج حتى وإن كان ينتمي إلى منطقة أخرى لا نستطيع الإقتران به لعدم وجود عقد الزواج، لنبقى في وضعية غير مستقرة لا نحن عازبات ولا نحن بمتزوجات.
و أخيرا حالة أخرى تحز في النفس لطفلة تبلغ من العمر 10 سنوات فقط تحكي تجربتها وتقول “تزوجت ولازلت ألعب مع الفتيات ولا أرتاد المدرسة، طلقني شفهيا وقال لي طلقتك وبدوري قلت له موافقه، لم أعد أقيم معه و في السابق كانت أختي ستقيم عرس زواجها، لكن نظرا للفقر وعدم القدرة على المصاريف زوجوني أنا كذلك وجمعونا في عرس واحد لهذا نتزوج مبكرا”.
جاء في شهادة حية لأحد شباب المنطقة بأن أهل الفتاة يقولون من الضروري أن تتزوج ولو على كانت في عمر 6 أو 7 سنوات يجب أن تمضي 7 ليالي مع زوجها ثم تعود إلى بيتها حتى تكبر وتستطيع أن تتحمل مسؤولية الزوج والأطفال، حينها إذا أرادت أن ترجع لها الإختيار في ذلك أو تتزوج برجل آخر.
ويرجح الشباب زواجهم المبكر بالقاصرات الصغيرات إلى ضغوطات العائلة التي تفرض عليهم الإقتران بفتيات رغم صغرهن تحت دريعة إنقاذ شرف العائلة وحماية صمعة الفتاة من أن تلقب بالعانس إذا لم يتم الإسراع بتزويجها.
يتضح من خلال الحالات التي صرحت عن تجربتها لهذا الزواج الغاصب، وبالرجوع إلى الشهادات المدلى بها، فإن هذه العادة التي كانت متداولة سابقا في عدة دواوير على سبيل المثال دوار أغدو وتغيست وغيرهما.. يتم تزويج الفتاة في سن صغير عن طريق الفاتحة ضمن عرس جماعي تمكث فيه الطفلة 7 ليالي في بيت زوجها، ثم ترجع إلى بيت أبيها إلى أن تكبر أو يتم تطليقها، من جانب آخر تعتبر تصريحات هؤلاء الصغيرات صادمة وخطيرة، حيث يخضعن لأعراف وتقاليد بائدة، تجبرهن على الدخول إلى عالم أكبر منهن دون إدراك منهن أو تمييز لما يحدث لهن ولا حتى معرفة مصيرهن مستقبلا. في الواقع إن المكان الحقيقي للفتيات الصغيرات هو المدرسة واللعب مع أقرانهن والإستمتاع بطفولتهن. أما بالنسبة لهذه العادات فهي تخفي جرائم الإغتصاب تحت مسمى الزواج، ولهذا يجب تكثيف الجهود من أجل البحث والتحقيق حاليا ومستقبلا في جميع المناطق النائية والدواوير التي كانت معروفة بهذه الظاهرة الخطيرة، والعمل على محاربتها حفاظا على حقوق الطفل وضمانها لأن هذه العادة تهدد مستقبل هؤلاء الأطفال ذكورا وإناثا، إذ تخفي بذلك معالم مصيرهم. نستنتج من خلال ما سبق مجموعة من الأسئلة أهمها:
_ من يتحمل مسؤولية زواج هؤلاء الطفلات؟ هل الأسرة أم الدولة أم هما معا؟
_ هل يمكن أن يكون الفقر سببا مباشرا لتزويج الطفلات؟ أم هو عذر يتخذه سكان هذه المناطق لتطبيق هذه العادة الخطيرة في حق أطفالهم؟
_ هل فعلا انتهت هذه الظاهرة في تلك الدواوير؟ أم لازالت تمارس في الخفاء؟
_ وكيف يمكن الحد من زواج الفاتحة في صفوف الطفلات؟
صرحت رئيسة جمعية “ماتقيش ولدي” السيدة نجاة أنوار لجريدة المنظور تيفي بريس حول موضوع زواج القاصرات وقالت إن زواج القاصر بالنسبة لجمعية “ماتقيش ولدي” هو جرم في حقهم، و نرفضه رفضا تاما. و لكن ما نخشاه كمنظمة في حالة تجريم زواج القاصر، أن تتم عملية تزويج القاصرات بالخصوص سرا و قسرا اعتمادا على زواج الفاتحة خاصة في المناطق النائية و الجبلية و البعيدة، مع العلم أن تزويج القاصرات في معظمه خاصة في هذه المناطق مرتبط بالعوامل الإجتماعية و الإقتصادية التي تعيشها أسر القاصرات.
وقالت الأستاذة نجاة أنوار سنصبح نتحدث عن تواجد زوجات بدون عقد زواج لأنهن تم تزويجهن في سن مبكر، و أطفالهن غير مسجلين في سجلات الحالة المدنية، ولا يتمتعن هن و أطفالهن بحقوقهم؛ و الأخطر من ذلك نتوجس من أن يتم تزويج القاصر سرا و بعد سنوات يقوم الزوج بتركها في فترة حملها، بدون دليل أو وثيقة تدل على ما وقع. هذه تخوفات طرحت خلال اجتماع اللجنة المشتركة ما بين منظمة “ماتقيش ولدي” و شركائها المخصصة لصياغة المذكرة الإقتراحية لتعديل مدونة الأسرة خلال طرح هذا المشكل و تعريفه و دراسته من جميع جوانبه، مع مقارنته بالفراغ الحاصل في المادة المتعلقة بذلك. و كان التوقع هو أن في حالة المنع الكلي، سنصبح نحصي بأصابع الكل أعداد مهولة لتزويج القاصرات سرا.
ذكرت رئيسة جمعية “ماتقيش ولدي” المقترح هو تحديد الظروف الإجتماعية التي تجعل من الأسر التضحية ببناتهن خاصة من أجل تزويجهن و هن في سن مبكرة، و تحديد السن في 16 سنة فما فوق و لكن استنادا على الخبرة الطبية و النفسية لتحديد الأهلية بالنسبة للطرفين مع بحث اجتماعي حول أسرة القاصر من أجل تحديد الدوافع الإجتماعية للتزويج إن كان الامر متعلق بالحالة الإجتماعية للأسرة و مفاوضتهم من أجل العدول عن ذلك مع تقديم المساعدة اللازمة.
أبرزت المتحدثة، خلالها تصريحها لجريدة المنظور تيفي بريس الحلول المقترحة لتفادي زواج القاصرات، حيث قالت “إن أردنا محاصرة الظاهرة يجب وضع مراكز اجتماعية للقرب من أجل أن تفتح أبوابها للأسر التي ترغب في تزويج القاصرات بغية مفاوضتهم للعدول عن ذلك مع تحديد أوضاعهم الإقتصادية و الإجتماعية، و تقديم حلول بديلة حتى تظل القاصر في مأمن و نضمن بذلك حقوقهن.
أفادت الأستاذة نجاة المراني محامية بهيئة الرباط لجريدة المنظور تيفي بريس حول زواج القاصرات وفق مدونة الأسرة الجديدة، حيث قالت “أعتقد أن التزويج المبكر يمثل تمييزا ضد الطفلات ويشكل انتهاكا لأبسط الحقوق التي يجب أن يتمتعن بها، كما أن له تأثيرات جد خطيرة تطال مختلف جوانب حياتهن.
وأضافت الأستاذة نجاة المراني أن الحمل المبكر يشكل إحدى العقبات التي تحول دون ضمان فرصة العمل والتعليم والأكثر خطورة من ذلك هو ارتفاع عدد وفيات الأمهات والرضع، مما قد يلحق بهذه الممارسة اضرارا بالغاً بصحة الفتيات الجنسية والإنجابية، كما أن هناك تقارير دولية خلصت إلى المضاعفات المرتبطة بالحمل كسبب رئيسي للوفيات بين الطفلات، مما ينبغي اعادة النظر بالنصوص القانونية المضمنة بمدونة الأسرة والتي تجيز تزويج القاصر دون سن 18 سنة وكذلك محاربة زواج الطفلات حماية للطفولة مع زجر المغتصبين إن صح التعبير، باعتباره اغتصابا تحت دريعة الزواج مع حذف الإستثناءات المتعلقة بالحد الأدنى لسن الزواج وتحديد الحد الأدنى لسن الزواج للفتيات في سن 18 سنة ولا يمكن تبرير ممارسة تزويج الأطفال بأي أسباب تقليدية أو دينية أو ثقافية أو اقتصادية.
واصلت الأستاذة حديثها قائلة، لكن الإشكال المطروح في حالة إلغاء مقتضيات المادة 20 من مدونة الأسرة وتحديد سن الزواج في 18 سنة قد يفتح لنا بابا أشد خطورة من ذلك وإلى زواج ما يعرف بزواج الفاتحة ولما له من تبعات اجتماعية وخيمة في حالة التحايل على القانون من طرف الولي الشرعي للقاصر، و الذي قد ينتج لنا أمهات عازبات بدون وثائق ثبوتية أو عدم القدرة على إثبات الزوجية وضياع حقوقهن في حالة الطلاق أو الوفاة، مما يجب على المشرع المغربي التصدي لمثل هذه السلوكيات بكل حزم لردعها بنصوص قانونية صارمة، وذلك بتحميل مفتعيلها للمساءلة القانونية و المدنية والجنائية.
بالمقابل عرَّف الباحثين الزواج المبكر من الناحية العلمية، بأنه ذلك الزواج الذي يتم قبل اكتمال النمو والنضج الجسدي والنفسي والعقلي خاصة لدى الفتاة، وحددت UNCEF السن الذي يتم فيه اكتمال النمو والنضج الجسدي والنفسي في 18 سنة، وبذلك تكون جميع الأعضاء البيولوجية والسيسيولوجية للفتاة قبل سن 18 سنة لم تكتمل في نموها بعد أو لا تزال ضعيفة من أجل تحملها للحمل والإنجاب، ناهيك عن المضاعفات الصحيه التي يمكن أن تحصل لهؤلاء الفتيات وتهدد حياتهن.
لعل زواج الطفلات من أبرز الظواهر المنتشرة بشكل كبير حيث يعتبر انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، بالرغم من وجود القوانين المناهضة لها ويرجع ذلك جزئيا لإستمرار الفقر وعدة أسباب أخرى، ولا زالت هذه الممارسة تتوسع بطريقة ملفتة، ففي الدول النامية تتزوج واحدة من بين ثلاث فتيات قبل بلوغها 18 سنة بينما تتزوج واحدة من بين كل 5 فتيات قبل بلوغها 15 سنة. وبالتالي فإن الزواج المبكر يهدد سلامة وصحة الفتيات، بل يقيد آفاق مستقبلهن والأخطر من ذلك هو حمل هؤلاء الطفلات اللاتي أجبرن على الزواج في سن صغير وهن لا زلنا مراهقات، الشيء الذي يزيد من احتمال خطر تعرضهن لمضاعفات الحمل والولادة، على اعتبار أنه السبب الأساسي في الوفاة أثناء عملية الولادة لدى معظم المراهقات.
يتضح من خلال ما سبق أن زواج الطفلات بصفة عامة أو ما يسمى بالزواج المبكر له مجموعة من الآثار التي تهدد سلامتهن الجسدية وصحتهن النفسية من جهة، وعرقلت مستقبلهن وذلك عن طريق حرمانهن من حقوقهن المشروعة وإكمال تعليمهن من جهة أخرى. لأن مكانهن الحقيقي هو المدرسة، خصوصا التطور والتقدم الذي يعرفه العالم الحديث من تقدم تكنولوجي ودخول علم الرقمنة، حيث ترمي جل الدول لدفع أطفالها من أجل التعلم والمعرفة للنهوض بتقدمها وازدهارها، بينما لا زالت الدول النامية تسمح بهذه الممارسات التي تفشل مسيرة تقدمها أولا و محو مستقبل الطفلات ووضعهن في طريق مجهول، مهما كانت الأسباب واشتدت الظروف لا يجب إجبار الطفلات على الزواج في سن مبكر ولو كانت في المجال القروي، على الرغم من إدعاء البعض أن البنية الفيزيولوجية للطفلات في القرى أقوى من نظيراتهن في المدن، إلا أن هذا لا يشفع لهن بتزويجهن فإن النمو العقلي والنفسي يكون غير مكتمل، كالطفلة التي صرحت بعد تعرضها للزواج المبكر في بعض القرى وكانت لازالت تلعب مع الفتيات، الشيء الذي يتطلب قبل إجبارهن على الزواج من قبل الأسر التفكير في مخلفات هذا الزواج.
و في هذا الاطار، فإنه من الضروري تمتع الأفراد بوعي اجتماعي كافي ونشر حملات توعوية في الوسط الحضري والقروي، لأن الطفلة عموما يجب أن تتعلم وتدرس، لكن إذا تعذر ذلك في بعض المناطق القروية عليهم أن يحفظوا بناتهم في بيوتهم، ولو كانوا يعانون من الفقر وضنك العيش الذي يخيم عليهم حتى يصلن هؤلاء الطفلات إلى سن الرشد القانوني، وبعد ذلك لهن الإختيار و هذا أقل ما يمكن تقديمه لضمان وحماية الطفلات من زواج الفاتحة الذي اكتسح الساحة وضاعت معه حقوق المرأة والطفل معا.
Comments ( 0 )