الشتاء تفضح إخفاقات المسؤولين وفيضان آسفي يفتح باب المساءلة
تأتي الشتاء وتجلب معها الخيرات والويلات أيضا، في الدول المتقدمة التي تعتمد على مسؤولين شرفاء يطبق في حقهم مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، يؤدى العمل بجدية وتتحقق نتائج إيجابية ملموسة تخدم البلاد والعباد على جميع الأصعدة، مع الاهتمام بالمصلحة العامة وتفادي أي مخاطر قد تهدد الأمن والسلامة الداخلية. فالشتاء والثلوج والكوارث الطبيعية في أوروبا أو أمريكا لا تسجل معها خسائر فادحة ومدوية كما هو الحال في دول العالم الثالث، التي تفتقد لمسؤولين جادين محاسبين، يملكون ضميرا مهنيا وروحا وطنية عالية تجعلهم يتقنون أعمالهم ويخلصون فيها، بل تعرف هذه الدول بروز نجوم كبار في التهافت على المناصب لتحقيق المصالح الخاصة والربح المادي كأهداف أساسية.
في المغرب، للشتاء طعم خاص لكن سرعان ما تغيب تلك الفرحة أمام كوارث من العيب أن تقع بالمقارنة مع دول أخرى، وذلك بسبب سوء تدبير المسؤولين وتهاونهم في أداء مهامهم. فالتساقطات المطرية تجعل بعض المدن تغرق بسبب عدم إصلاح البنيات التحتية وضيق مجاري المياه، التي لا تكاد تتحمل ليلة واحدة من الأمطار الغزيرة حتى تختنق الشوارع ويرتفع منسوب المياه. وكل هذا يعزى بالدرجة الأولى إلى هؤلاء المسؤولين. فهل ستعرض هذه التجاوزات أصحابها للمحاسبة؟ أم أنها ستمر كعادتها مرور الكرام؟
![]()
ما حدث اليوم بمدينة آسفي، الفيضان الذي أغرق المدينة وأودى بحياة 22 رجل و 2 نساء وطفلة كحصيلة أولية، ومازال البحث جاري على المفقودين وفقا لمصادر مطلعة لجريدتنا من قلب الحدث،وهي فضيحة كبيرة أعادت الجدل إلى الواجهة وطرحت تساؤلات مؤلمة: من المسؤول عن كارثة آسفي؟ وأين تتجلى الميزانيات المخصصة للمدينة على أرض الواقع؟ وما هي المشاريع المعلن عنها؟ وبماذا تفسر هذه الواقعة التي هزت الرأي العام؟
وما يزيد من خطورة ما وقع، أن ما حدث بآسفي اليوم ليس حالة استثنائية ولا حادث عابر، بل تكرار مقلق لسيناريو الشتاء الماضي والذي قبله، حيث شهدت عدد من المدن المغربية خسائر مادية وبشرية متفاوتة، دون أن تترتب عنها أي محاسبة حقيقية أو تقييم جدي. إن مشاهد الفيضانات، انهيار الطرقات، وغرق الأحياء السكنية أصبحت تتكرر مع كل موسم شتاء، وكأن البلاد تعيش على إيقاع كوارث موسمية مألوفة، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول نجاعة البرامج الاستعجالية؟ ومصير الميزانيات المرصودة؟ ومدى غياب منطق الاستباق لصالح سياسة رد الفعل بعد فوات الأوان؟
![]()
لعل هذه الوقائع التي تتكرر كل سنة بالمغرب توضح حجم الإهمال والتقصير من طرف المسؤولين جملة وتفصيلا، كما تبرز فشلهم في إحداث مشاريع تليق بالمغرب والمغاربة، وتسير عكس التوجهات المعلنة والتنمية المنشودة. وهو ما يؤكد من جديد ضرورة اختيار رجال الدولة بامتياز، ووضعهم في المكان المناسب، لأن من لا يريد خدمة الصالح العام لا ينبغي أن يتحمل مسؤولية هو غير قادر عليها. وهنا يصبح لزاما على الدولة أن تفصل بوضوح بين المسؤول الشريف والمسؤول الذي لا يرى في المنصب سوى وسيلة لخدمة مصالحه الخاصة وتحقيق الربح المادي، لأن بناء المغرب الجديد، القوي والمستدام، يحتاج إلى مسؤولين بروح وطنية حقيقية، تدفعهم إلى تنمية البلاد دون استنزاف ثرواتها.
Comments ( 0 )