الشعبوية والديمقراطية الليبرالية: تحليل نظري مقارن لتاكيس باباس
مع اقتراب الانتخابات العامة في المغرب في (سبتمبر 2026)، يزداد الاهتمام بالديناميات السياسية التي قد تؤثر على اختيارات الناخبين وسلوكهم. في هذا السياق، اخترنا لكم آخر الاصدارات التي تحاول ضبط بعض المفاهيم الرائجة: كتاب “الشعبوية والديمقراطية الليبرالية: تحليل نظري مقارن” للمفكر السياسي اليوناني تاكيس باباس ليقدم إطارًا تحليليًا عميقًا يساعد على فهم ظاهرة الشعبوية وتأثيرها على الأنظمة الديمقراطية.
يتناول الكتاب الشعبوية كظاهرة حديثة تتحدى الليبرالية السياسية، مستندًا إلى أدلة تجريبية من دول متعددة مثل الأرجنتين، اليونان، فنزويلا، والولايات المتحدة.
و بالنظر إلى الاستقطابات السياسية المتصاعدة في المغرب، يصبح من الضروري استكشاف مفاهيم الشعبوية واللاليبرالية الديمقراطية، وعلاقتها بالجمهور المغربي وقدرته على التمييز بين الخطابات السياسية.
يلامس الكتاب المفاهيم الأساسية: الشعبوية واللاليبرالية الديمقراطية
الشعبوية بوصفها لاليبرالية ديمقراطية
يعرف باباس الشعبوية بأنها “لاليبرالية ديمقراطية”، وهي ظاهرة تتسم بالجمع بين الديمقراطية الشكلية والرفض الجذري للمبادئ الليبرالية مثل التعددية، حماية الأقليات، وسيادة القانون. الشعبوية، حسب باباس، لا تسعى فقط لمعارضة الليبرالية السياسية الحديثة، بل تحاول استبدالها بنموذج يعتمد على التماهي المباشر بين الزعيم السياسي والشعب، متجاهلًا المؤسسات الوسيطة كالبرلمانات والمحاكم و المؤسسات الدستورية. هذا المفهوم يتجلى في خطابات شعبوية تروج لشعار “نحن الشعب”، متجاهلة التعدد الثقافي والسياسي، ومعتبرة أي معارضة خيانة للإرادة الشعبية.
اللاليبرالية الديمقراطية
اللاليبرالية الديمقراطية تشير إلى نظام يحتفظ ببعض مظاهر الديمقراطية، مثل إجراء الانتخابات، لكنه يفتقر إلى الضمانات الليبرالية الأساسية. على سبيل المثال، قد يتم تقييد حرية الإعلام، أو التضييق على الأقليات، أو إضعاف استقلال القضاء. باباس يرى أن الشعبوية تتغذى على أزمات التمثيل الديمقراطي، حيث يشعر المواطنون بالإحباط من النخب السياسية التقليدية، مما يدفع أصواتهم نحو قادة شعبويين يعدون بحلول مباشرة وسريعة.
“الشعبوية والديمقراطية الليبرالية: تحليل نظري مقارن”
عنوان الكتاب يعكس منهجية باباس في دراسة الشعبوية. كلمة “تحليل نظري” تشير إلى تركيزه على بناء إطار مفاهيمي واضح لفهم الشعبوية، بينما “مقارن” يبرز الجانب الإمبريقي الذي يعتمد على مقارنة تجارب دول مثل اليونان، حيث شهد صعود حزب “باسوك” الشعبوي في 1981، والولايات المتحدة التي ظهرت فيها الشعبوية مؤخرًا مع صعود شخصية دونالد ترامب “عراب الشعبوية”. العنوان يوجه القارئ إلى التساؤل حول كيفية تفاعل الشعبوية مع الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، وهو أمر ذو أهمية خاصة في المغرب، حيث النظام السياسي يُصنف كـ”هجين” (حسب مؤشر الديمقراطية 2023)، يجمع بين مظاهر ديمقراطية وممارسات سلطوية.
في سياق المغرب، حيث يرزخ الاهتمام في مرمى التفاهة و الاستقطاب يواجه الجمهور تحديًا كبيرًا في التمييز بين الخطابات السياسية، خاصة مع اقتراب انتخابات 2026. الشعبوية ليست جديدة على المشهد المغربي؛ فقد أشار تقرير كارنيجي (2012) إلى أن الأحزاب المغربية بدأت تعتمد الخطاب الشعبوي منذ أوائل العقد الماضي، مع صعود شخصيات مثل عبد الإله بنكيران من حزب العدالة والتنمية. هذا الخطاب يعتمد على مخاطبة هموم الشعب بلغة بسيطة ومباشرة، حيث يعد بـ100 وظيفة وينتقد النظام السياسي بوصفه كاذبًا وفاشلاً.
لكن قدرة الجمهور المغربي على التمييز بين الخطاب الشعبوي والخطاب السياسي المسؤول تظل محدودة. أولًا، هناك إحباط متزايد من الأحزاب التقليدية، كما يظهر في تعليقات الناخبين على المواقع الالكترونية الاكثر متابعة ، حيث يصف البعض الانتخابات بـ”المسرحية” ويعبرون عن فقدان الأمل بسبب “غلاء الأسعار” و”تدهور القدرة الشرائية”. هذا الإحباط يجعل الناخبين أكثر عرضة للخطابات الشعبوية التي تقدم حلولًا سريعة. ثانيًا، ضعف التعليم السياسي وانتشار الأمية السياسية يزيدان من صعوبة التمييز، حيث يميل الناخبون إلى الانجذاب للوعود الشعبوية دون تقييم جدواها.
الشعبوية في سياق الانتخابات المغربية 2026
مع اقتراب انتخابات 2026، تشير المؤشرات إلى أن الاستقطابات السياسية ستتزايد كما تتزايد الانقسامات داخل التحالفات السياسية، خاصة مع ظهور مرشحين _لم يجتازو بعد الامتحانات الإشهادية_ الذين يتبنون خطابًا شعبويًا. باباس يحذر من أن الشعبوية تزدهر في ظل أزمات التمثيل الديمقراطي، وهو ما ينطبق على المغرب، حيث يعاني النظام السياسي من ضعف المشاركة الانتخابية وفقدان الثقة في التمثيليات. تاريخيًا، استخدمت الدولة أساليب مثل الاحتيال الانتخابي للتحكم في النتائج، مما زاد من شعور المواطنين بالتهميش.
الشعبوية قد تعرض الديمقراطية للخطر في المغرب من خلال تقويض أدوار المؤسسات الديمقراطية. باباس يشير إلى أن الشعبويين يميلون إلى الحكم بطريقة تتجاهل الضوابط المؤسسية، مما قد يؤدي إلى تركيز السلطة في يد الزعيم السياسي وإضعاف القضاء والبرلمان. في المغرب، حيث النظام يعاني أصلًا من هشاشة مؤسسية و جيوب مقاومة التغيير، قد يؤدي صعود الشعبوية إلى تعميق الأزمة السياسية.
مقارنة مع تجارب عالمية
باباس يقدم أمثلة من دول مثل اليونان، حيث أدت الشعبوية إلى أزمات اقتصادية وسياسية، وفنزويلا التي شهدت تراجعًا ديمقراطيًا كبيرًا تحت حكم شعبوي. في المغرب، قد لا تصل الأمور إلى هذا الحد، لكن هناك مخاطر مماثلة. على سبيل المثال، الخطاب الشعبوي الذي يركز على “الشعب ضد النخب” قد يزيد من الاستقطاب الاجتماعي، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية مثل ارتفاع الأسعار والبطالة.
لكن.. من هو الناخب الشعبوي؟
في المغرب، يمكن أن يكون الناخب الشعبوي هو الشاب المحبط من البطالة، الام العازبة أو المواطن الفقير الذي يعاني من غلاء المعيشة… هؤلاء الناخبون يميلون إلى دعم الخطابات التي تتحدث بلغتهم وتعد بحلول فورية، كما يظهر في منشورات مؤخراً تحاول استباق الحملة الانتخابية. لكن هذا النوع من الدعم قد يكون مؤقتًا، لأن فشل الشعبويين في تحقيق وعودهم غالبًا ما يؤدي إلى مزيد من الإحباط.
منظور أوسع
كتاب تاكيس باباس يقدم تحليلًا عميقًا للشعبوية كظاهرة تعارض الديمقراطية الليبرالية، وهو ذو أهمية كبيرة للمغرب في ظل اقتراب انتخابات 2026. الشعبوية قد تكون مغرية للناخب المغربي المحبط، لكنها تشكل خطرًا على الديمقراطية إذا أدت إلى تقويض المؤسسات. تحسين قدرة الجمهور على التمييز يتطلب تعزيز التعليم السياسي وزيادة الشفافية في العملية الانتخابية، لضمان أن تكون الانتخابات القادمة خطوة نحو تعزيز الديمقراطية، وليس تراجعًا عنها.
Comments ( 0 )