المديرة البطلة عالقة في مسرحية الشكاوى
تعود كل صباح باكر إلى عرينها المدرسي، بابتسامةٍ عريضةٍ تُشبه قناعاً مهرّجاً، تخفي عينين زائغتين من الإرهاق وبهجةً مزيّفةً تكاد تُصمّ الآذان! تراها فتظنها ملكةً تتربع على عرش الإدارة، لكن الحقيقة؟ إنها بطلةٌ مأساوية في مسرحيةٍ عنوانها: “صراع الملتحقين الجدد”. تخيّل معي: نصف مديرات المدارس يحلمن بالهروب، يُعبّئن حقائبهن سراً، ويتمتمن: “يا رايح… وين مسافر؟” “تروح المدرسة تعيا و تولي لبرتما!”.
الصراع الأول: جوقة الشكاوى
تبدأ اليومية بموكب الملتحقين الجدد بالتدريس، هؤلاء الذين يعتقدون أن مهنة التعليم ستُغدق عليهم الذهب، غافلين أنها مهنة الأنبياء، لا الأثرياء! يقتحمون مكتبها بشكاواهم التي لا تنتهي: “المنهج ثقيل!”، “الطلاب لا يستمعون لا يفهمون!”، “الراتب لا يكفي لقهوة الصباح!”، وهي، المديرة المسكينة، تتحول إلى معالجةٍ نفسيةٍ دون شهادة، تحاول تهدئة نفوسهم بينما روحها تُصرخ: “وأنا، شكون يُهدّئني؟!”
الصراع الثاني: الإدارة العليا والنسيان المُريح
على الجانب الآخر، هناك الإدارة العليا، تلك الهيئة الغامضة التي تُرسل المراسلات و البلاغات و الأوامر كالصواعق: “نريد نتائج! أرقام! إنجازات! أنشطة”، دون أن تلقي بالاً لقلب المديرة الذي ينزف من التهميش. تُعامل كأنها جنديٌ في معركةٍ بلا سلاح، تُطالب بتحقيق المستحيل بينما يُرمى عليها عبء كل قرارٍ لا تحبه الأطراف. “أين التقدير؟” تتساءل ساخرة، وهي تُحصي عدد الشكر الذي تلقته… صفر!
الصراع الثالث: التوازن المفقود
بين شكاوى الملتحقين و تثاقلهم وتعليمات الإدارة، تُحاول المديرة أن تجد فسحةً لحياتها الشخصية، لكن هيهات! العمل يبتلع ساعاتها كوحشٍ جائع، والمسؤوليات تتداخل كخيوطٍ متشابكةٍ في نسيجٍ لا يُفك. “متى كانت آخر مرة تناولتُ فيها قهوةً بهدوء؟” تتساءل بمرارة، وهي تُجيب نفسها: “ربما في العقد الماضي!”
مشهدٌ من المسرحية: حوارٌ مع المديرة
سألتُ إحدى المديرات ذات يوم: “لمَ تركتِ ساحة المعركة؟” فأجابت بنبرةٍ تجمع بين السخرية والأسى: “كنتُ أحلم بإلهام جيلٍ جديد، لكنني وجدتُ نفسي عدوةً في نظر الملتحقين، وخادمةً لأوامر الإدارة! يرونني حارسةً للنظام، بينما أنا أُقاتل لأحمي الجميع. أتعلم؟ في هذه المهنة، نحن دائماً في وجه المدفع، نتلقى السهام ولا أحد يُلقي علينا و لا وردة!
الصورة الأكبر!
بين المطرقة والسندان:
مديرة المدرسة عالقةٌ في دورٍ مزدوج: هي صوت الملتحقين أمام الإدارة، ولسان الإدارة أمام الملتحقين. تتلقى اللوم من الطرفين، كأنها المذنبة الوحيدة في مسرحيةٍ لم تكتبها! هذه أزمة هوية مهنةٍ تُنذر بنزيف الكفاءات. فهل ستتفقد مديرتك وتسألها: “كيف حالكِ؟” أم أنكِ، أيتها البطلة، تقرأين هذا وتُومئين برأسكِ موافقةً؟ إذاً، قولي لنا بصراحة: كيف تُطيقين هذا العبء وتظلين تبتسمين؟!
Comments ( 0 )