المستحيل ليس ‘سانتشيزيا’
توفيق سليماني
بيدرو سانتسيز، رئيس الحكومة الإسبانية، منذ يونيو 2018، برهن مرة أخرى أن السياسة “فن الممكن”، وأن الأهم ليس الوصول إلى الحكم بل البقاء فيه رغم صعوبة السياقات المحلية والإقليمية والدولية.
نصب مجلس النواب الاسباني، يوم أول أمس الخميس، سانتسيز رئيسا للحكومة ب179 صوت مقابل 171 صوت معارض.
تمكن سانتشيز من بلوغ الأغلبية المطلقة (اكثر من 176)، وفي الجولة الأولى، اي بدون الحاجة إلى إعادة التصويت اليوم السبت والفوز بأغلبية عادية. ويبقى الشيء المهم هو الحصول على 179 صوت نيابي في سياق اسباني سياسي يغلب عليه التقاطب والتنابز والتراشق والتحريض والتعصب. وهناك من يطالب الجيش بالانقلاب على سانتشيز.
لم يسبق لأي رئيس حكومة (ماريانو راخوي وسانتشيز) ان حصل منذ نهاية الثنائية الحزبية سنة 2015 على 179 صوت نيابي. وهذا يحسب لسانتشيز. ولم يسبق كذلك أن صوت 171 صوت نيابي ضد الرئيس منذ نهاية الثنائية الحزبية. وهذا يحسب على/ ضد سانتشيز.
سانتشيز استطاع أن يقنع ويستقطب إليه تشكيلات سياسية يجمع بينها الكثير ويفرقها الكثير أيضا. اقنع الاستقلاليين الكتالان ERC، والجمهوريين الكتالان Junts، وقل الشيء نفسه عن القوميين الباسكيين PNV وbildu، بل أقنع حتى تحالف الكناري CC، علما أن تجمع Sumar وأخواته كان منذ الصيف في “جيب” سانتشيز. بقي اليمين واليمين المتطرف pp-vox، يغردان لوحدهما في المعارضة، ولو أن Vox لا يجمعه بالتغريد إلا الخير والإحسان.
معطى اخر لا يقل أهمية وهو أن سانتشيز نصب رئيسا ب12.6 مليون صوت انتخابي ( من اقتراع 23 يوليو 2023)، وهو رقم لم يحقق منذ 2004 عندما نصب ثاباتيرو ب13.5 مليون صوت انتخابي (لا أتحدث هنا عن الأصوات النيابية). ولا ينبغي نسيان أن 11.3 مليون صوت انتخابي يعارضون سانتشيز. كانت المهمة تبدو مستحيلة بعد الانتخابات الجهوية والمحلية في مايو 2023 على أثر الهزيمة الكارثية لليسار، وبدت صعبة بعد الانتخابات التشريعية في يوليوز 2023، إلا أن سانتشيز جعل المستحيل والصعب ممكنا.
في 2014 جلس سانتشيز إلى مائدة الكبار في الحزب الاشتراكي، وترأس الحزب خلفا للراحل ألفريدو بيريز روبالكا، وزير الداخلية سابقا. نال ثقة الحزب للترشح لرئاسة الحكومة في انتخابات 2016، لكن كارثية النتائج (84 مقعد مقابل 137 مقعد للحرب الشعبي) وضعته في مرمى الخصوم الداخليين. اقصد بارونات الحزب. في نفس السنة أجبر على الاستقالة من الامانة العامة بعدما رفض تسهيل تجديد الثقة في راخوي رئيسا للحكومة للمرة الثانية.
غادر ولم يغادر. قرر التعويض. طاف إسبانيا على متن سيارة بيجو لأقناع قواعد الحزب بمشروعه. في يونيو 2017 عاد إلى رئاسة الأمانة العامة. عودة الكبار. وفي يونيو 2018، بلغ الحكم بعد أن أسقط راخوي بملتمس رقابة. اقنع تشكيل كان اقرب حينها للحزب الشعبي. هنا بدأت اللعبة.
في 2019 قرر المغامرة ودعا إلى الانتخابات. اقترعان في سنة، أبريل ودجنبر، خرج منهما سالما، وشكل في يناير 2020 أول تخالف حكومي منذ ثلاثينات القرن الماضي.
خرج كذلك سالما من أزمة الوباء بين 2020 و 2022. وخرج ايضا سالما من أكبر أزمة دبلوماسية ( مع المغرب) عرفتها السياسة الخارجية الإسبانية منذ يوليوز 2002، اقصد أزمة جزيرة ليلى. بعد سنة من التجافي، قرر سانتشيز التفكير بعقله وبواقعية وبراغماتية من خلال دعم مقترح الحكم الذاتي في مارس وجبريل 2022. دبر كذلك تداعيات الحرب بين الغرب وروسيا في أوكرانيا. الان يدبر تداعيات الاعتداء الصهيوني على الفلسطينين. كما يدبر إلى حدود الساعة تداعيات قرار العفو الشامل على المتورطين من قريب أو بعيد في el procés independista catalán أو مسلسل الاستقلال في كتالونيا.
يمكن القول إن سانتشيز جعل المستحيل، أو على الأقل، الصعب ممكنا. الرجل يحكم إسبانيا منذ 2018. 5 سنوات من التدبير الحكومي في سياق وطني واقليمي ودولي صعب ومتقلب، وهو صامد.
الأحداث السابقة تعزز فرضية بقاء سانتشيز فس الحكم إلى 2028 أو 2027. اي أنه سيقضي 9 في الحكم. لن يستطيع تحطيم رقم فيليبي فونزاليث الذي قضى 14 عاما، ولكن من يدري قد ينجح سانتشيز، وينتصر في الانتخابات التشريعية المقبلة، ويكون شاهدا على مونديال 2030 رئيسا للحكومة. وربما يحطم رقم فونزاليث. سانتشيز دخل تاريخ السياسة الإسبانية. كيف سيخرج؟ لا أدري اليوم.
Comments ( 0 )