المستشفيات العمومية بالمغرب… شبح موت يرعب المرضى
في إطار سلسلة مقالاتنا حول الوضعية المأساوية للمستشفيات العمومية بالمغرب وما تعيشه من اختلالات بالجملة، من سوء التدبير والإهمال ونقص الرعاية الصحية، وهي قضايا سبق أن تطرقنا إليها في مقال سابق (يمكنكم الاطلاع عليه عبر هذا الرابط: الرشوة تتوغل في قلب المستشفيات العمومية بالمغرب)، تتواصل اليوم انتفاضة المواطنين ضد واقع صحي كارثي، لم يعد يطاق.
فمستشفى الحسن الثاني بأكادير شكّل نموذجًا حيًّا لهذا الغضب الشعبي، بعد الاحتجاجات التي قادها مواطنون وأطر طبية شريفة، نختص بالذكر الدكتور أحمد الفارسي الذي كشف بجرأة عن حجم التجاوزات بالقطاع، الأمر الذي فجر موجة استياء واسعة لأنه نفس الوضع الذي يتكرر بمختلف ربوع المملكة.
بالإضافة إلى مقاطع فيديو موثقة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملت شهادات صادمة لعائلات مرضى قضوا نحبهم بسبب الإهمال و طول الانتظار، فيما آخرون وجدوا أنفسهم ضحية الابتزاز والرشوة أو مواعيد طبية تتأجل إلى ما بعد وفاة المريض.
إن الأكثر إيلامًا أن بعض المرضى يُتركون للنوم على الأرض بدل الأسرة، فيما يقضون ساعات طويلة في قاعات الانتظار وهم يتلوّون من الألم. هذه الصور المهينة دفعت المواطنين لرفع شعارات مدوية: “المستشفيات قبل الملاعب، وصحة المواطن قبل المحافل.” و “لا للمتاجرة بصحة المواطن(ة)”.
في هذا الصدد، تعيش بعض المستشفيات العمومية بالمغرب وضعًا كارثيًا، جعلها تتحول من فضاء يُفترض أن يكون ملاذًا للمرضى إلى كابوس يؤرق كل مواطن يضطر إلى طرق أبوابها. فصحة المغاربة التي يفترض أن تكون على قمة أولويات الدولة، باتت اليوم رهينة الإهمال، ضعف الخدمات، غياب الرقابة، وسيادة الجانب المادي على حساب الإنساني.
في سياق متصل، إن بعض أقسام المستعجلات تحولت إلى “مجازر مفتوحة” بين نزيف الانتظار والوفاة المفاجئة، إلى غياب التحاليل الطبية والأشعة الضرورية، حيث يظل المواطن المغربي أمام خيارين أحلاهما مر: إما الإنهاك المادي في المصحات الخاصة، أو مواجهة “الموت البطيء” داخل المستشفيات العمومية.
لعل الأخطر من ذلك أن المواطن المغربي أصبح اليوم يخاف مجرد الدخول إلى المستشفى ليس بسبب المرض، بل بسبب الإهمال الذي قد يؤدي إلى نتائج كارثية، خصوصًا في حالات الاستعجال، إذ لقي عدد من المواطنين حتفهم نتيجة التأخر في التدخل الطبي وغياب الرعاية العاجلة.
بناء على ذلك، فإن مشاهد البؤس لا تقف عند حدود انعدام التجهيزات، بل تمتد إلى أبسط الحقوق، من نظافة المراحيض وغرف الاستشفاء، إلى غياب التقدير والاحترام للمرضى، الذين يجدون أنفسهم مجبرين على الدفع قبل الاستقبال، وكأن حياة الإنسان مجرد فاتورة مالية.
و المؤلم أكثر أن المغرب، الذي يحقق قفزات نوعية في مجالات البنية التحتية والرياضة من خلال بناء ملاعب خرافية تضاهي نظيراتها العالمية، ما زالت وزارة الصحة والجهات المسؤولة عاجزة عن توفير الظروف الصحية الملائمة بالمستشفيات العمومية بما يضمن الحد الأدنى من الكرامة الصحية للمواطن ومراقبة الوضعية عن كثب. ما يطرح تساؤلات مهمة: هل نحن أمام بلد يسير في اتجاهين متعاكسين: واحد يسابق الزمن نحو التقدم وآخر يشدنا إلى الخلف عبر قطاع صحي متدهور؟ أم أن هناك أيادي خفية تُعطِّل عمدًا قطار التنمية؟
وعلاقة بالإطار العام، فالشكايات والنداءات المتكررة من قبل المواطنين تؤكد أن العديد من الوفيات بالمستشفيات العمومية مرتبطة بالإهمال، ضعف التدبير، والانتظار الطويل. هذا الوضع الخطير يستدعي زلزالًا حقيقيًا في قطاع الصحة، يعيد هيكلة المستشفيات من الجذور، ويضع الرقابة الدورية والمحاسبة الصارمة كركيزة أساسية.
أمام هذا الواقع المر، تبقى الحلول واضحة ومباشرة:
_ تعزيز الخدمات الطبية وضمان مجانية التحاليل والفحوصات الأساسية للطبقات الفقيرة.
_ تسقيف أسعار الأدوية لتكون في متناول الجميع.
_ تجهيز المستشفيات بالأشعة والمعدات الضرورية بدل إجبار المواطن على البحث عنها في الخارج.
_ فرض المراقبة المستمرة على أداء الأطباء والإداريين للحد من الفساد والتواطؤ.
_ تحسين ظروف الاستقبال والنظافة بما يحفظ كرامة المريض.
إن الشارع المغربي اليوم يصرخ بصوت واحد: كفى استهزاءً بصحة المواطن. فإصلاح المستشفيات العمومية لم يعد ترفا أو شعارًا انتخابيا، بل قضية حياة أو موت، وشرطا أساسيا لأي نهضة حقيقية.
فمن يتحمل المسؤولية؟ وزارة الصحة أم الموظفون أم شبكة معقدة تجمع المصالح والفساد؟ وإلى متى سيظل المواطن المغربي رهينة هذه الحلقة المفرغة من الوعود دون حلول ملموسة وعاجلة؟
إنها ساعة الحقيقة: إما أن تعلن الدولة حالة طوارئ صحية لإصلاح القطاع، أو تظل المستشفيات العمومية شبح موت يطارد كل مريض في طريقه نحو العلاج.
تعالت أصوات المغاربة قائلة: إن النداء اليوم موجه إلى جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بصفته الضامن الأول للحق في الصحة، من أجل التدخل العاجل لإنقاذ ما تبقى من هذا القطاع الحيوي، وفتح تحقيق شامل في واقع المستشفيات العمومية، لأن صحة المواطن هي أساس بناء مغرب قوي يسير في ركب الدول المتقدمة.
مقال رائع مزيدا من التألق والتوفيق
قلتي كل شئ
حقا بان المغرب يسير بسرعتين سرعة نشيد ملاعب خرافية وناطيحات سحاب واعلى برج في مقابل نجد بعض دواوير تطالب بفقط بحقها بالعيش الكريم واخرى تطالب بالماء الدي هو ابسط مطالب ….