المغرب بين الحداثة والتوحيد … خط رفيع من الدبلوماسية النظيفة
أبان المغرب عن مواقفه الثابتة في العديد من القضايا الدولية والوطنية، وهي مواقف جعلت منه بلد وازن داخل المجتمع الدولي، بفضل خرجاته الدبلوماسية المحسوبة وتحركاته المسؤولة تجاه الدول التي تعرف توترات وصراعات، بهدف الوصول إلى حلول واقعية تحفظ حقوق الأطراف وتضمن السلم والأمن الدوليين، وهو ما يعكس قوة رؤيته وعمق فهمه للعلاقات الدولية وحرصه الدائم على مصلحة بلده وشعبه.
وليس غريباً على بلد كالمغرب، بثقافته الراسخة وحضارته الممتدة وعمقه التاريخي العريق، أن يسلك هذا النهج المسؤول، فالمغرب من خلال الحروب التي خاضها ضد المستعمر أظهر قوة وثباتا ودهاء سياسيا وعسكريا، والتاريخ خير شاهد على ذلك، وقد كان دائما في طليعة الدول التي تعترف بسيادة الدول وترفض تقسيمها، لأنه صاحب مواقف صادقة وجدية، كما كان من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1777، واعترافه بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1972، إضافة إلى دعمه استقلال الجزائر برفض التعامل مع المستعمر الفرنسي إلى حين قيام حكومة جزائرية مستقلة، وهذه الحقائق ثابتة في التاريخ حتى وإن حاول البعض إنكارها.
ولم يسبق للمغرب أن تدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وحين يتطلب منه موقف واضح في أي قضية، يتدخل دائما بشكل محايد، سعيا نحو الصلح وتجنب الحروب التي لا يستفيد منها أحد، لذلك فهو من الدول السباقة إلى مد يد السلام والتنمية عبر علاقات تقوم على مبدأ رابح–رابح وإحداث تغييرات حقيقية في مسار التنمية المستدامة، بما يعكس حنكة المملكة في الجمع بين المصالح الوطنية وواجباتها الدولية.
لقد سلك المغرب طرقا وعرة مليئة بالتعقيدات والصعوبات للوصول إلى النجاح الذي يشهده اليوم، ولم يكن هذا المسار سهلا كما يظنه البعض، فهو بلد إفريقي لكن يمتلك قائده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله رؤية متبصرة لمستقبل المغرب، رؤية رسمت طريقه أمس ووضع له استراتيجيات تنموية كبرى تجعل منه بلد لامع ومتقدم، يرسخ مكانته بقوة داخل المجتمع الدولي، وما يزال يسير على هذا النهج اليوم رغم جميع العراقيل، يبقى مستمر بثبات في تحقيق أهدافه وطموحاته الوطنية، وهو ما يعكس الإرادة الحقيقية لشعبه الذي يتشبث بأرضه ووطنه وملكه الذي يحقق جميع التطلعات.
![]()
وفي سياق متصل، واصل المغرب الدفاع عن سيادته وتفنيد كل المحاولات الفاشلة التي تستهدف تقسيمه أو زعزعة استقراره، فهو لا يساوم على ذرة من ترابه، والشعب المغربي مرتبط ارتباطا روحيا ووطنيا ببلده وملكه، في تضامن غير مشروط ووفاء ثابت لا يتغير، ما يجعل المملكة مثال حي على التماسك الوطني والثقة في القيادة، وهو ما يضاعف من قوته السياسية والدبلوماسية في المحافل الدولية.
وقد أثمرت الدبلوماسية الناعمة التي ينهجها المغرب نتائج إيجابية مصيرية، إذ كشفت للعالم مكانة المملكة ورؤيتها المستقبلية وطنيا وإقليميا، وهذه النجاحات لا يستوعبها بعض المعارضين لمسار التنمية، كما هو الحال بالنسبة إلى البلد الجار الذي ما زال يعرقل مسيرة المغرب دون فائدة، وظل حبيس دائرة مغلقة بعيدة عن قاطرة التنمية، وبرغم اليد الممدودة إليه دائما، يظل متشبثا بأفكار لا تخدم السلم ولا الأمن، مما كلفه أموالا طائلة دون جدوى، سوى تكبيل البلد بأغلال التخلف والعيش في أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية متدهورة، وفي المقابل حافظ المغرب وما يزال يحافظ على حسن الجوار وروابط التاريخ والجغرافيا، ويبقي الأبواب مفتوحة لعل التغيير يأتي بتغير الأفكار أو صناع القرار هناك.
في هذا الصدد، قامت عدة دول عربية وإفريقية وآسيوية بفتح قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، كاعتراف صريح ومباشر بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ثم جاء القرار الأممي رقم 2797 ليعترف رسميا بمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد لحل هذا النزاع المفتعل، وهو تحول مفصلي في القضية الوطنية، ليصبح بذلك يوم 31 أكتوبر 2025 يوما فاصلا في تاريخ المغرب، قبل وبعد، وارتقى إلى مستوى عيد وطني للمغرب الموحد وسمي بعيد الوحدة. ما يثبت أن الإرادة الوطنية والدبلوماسية المغربية تعمل دائما بتوازن وحكمة.
![]()
وفي هذا اليوم التاريخي، جاء الخطاب الملكي محملا بنقاط حاسمة، حيث أكد جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أنه رغم التطورات الإيجابية التي تعرفها قضية وحدتنا الترابية، فإن المغرب يظل حريصا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ كرامة الجميع، كما شدد على أن المملكة لا تعتبر هذه التطورات انتصارا تستغله لتأجيج الخلاف، بل محطة لتعزيز الحوار وبناء مستقبل مستقر يضمن الحقوق لجميع الأطراف.
ووجه أمير المؤمنين دعوة صريحة للرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون لحوار أخوي صادق بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة تقوم على الثقة والأخوة وحسن الجوار، وجدد كذلك التزامه بإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين دوله الخمس، مؤكدا أن المغرب يسعى دائما إلى النهوض الإقليمي والعمل المشترك بما يخدم الأمن والاستقرار والتنمية.
![]()
ومن خلال هذه الرؤية الحكيمة، يواصل المغرب مساره كبلد محنك سياسيا ودبلوماسيا، يحافظ على استقراره ولا ينجر وراء المناورات التي لا طائل منها، فهو لا يضيع وقته في تجارب فاشلة تعطل مساره، بل يسعى إلى خلق علاقات دولية ناجحة مبنية على تبادل الخبرات وتحقيق المصالح المشتركة، ولهذا أصبح المغرب شريكا استراتيجيا جذابا يلفت انتباه الدول الكبرى ويعكس مكانته المتميزة في المنطقة والعالم.
ويظل المغرب نموذجا لبلد طموح قوي، واثق من نفسه، مؤمن بقدراته، وصاحب حضارة تاريخية عريقة تجسد انتماءه وجذوره، تشهد على ذلك كل قطعة من أرضه، وكل ذرة من ترابه، وكل من عاش وتعايش مع مراحله المتعددة، بما يجعل المغرب مثالا حيا على الإرادة الوطنية والثقة في المستقبل.
وهكذا يواصل المغرب كتابة تاريخه من موقع قوة ، بثبات ملكه ووعي شعبه وواقعية مواقفه ودبلوماسيته الناعمة.
Comments ( 0 )