الحو هشام
بين التوجه لبناء مغرب كبير يضم وحدة الشعوب ويرعى مصالحهم، وجهود الجنرالات والقوى الخفية لتثبيت خارطة “المستعمر”، عملاً بمبدأ “فرِّق تسد”، يعيش شعبان تجمعهما علاقات أكثر من أي شعبين آخرين على هذه الأرض.
إذ لا تزال القلوب مفتوحة بين الشعبين رغم إغلاق الحدود لعقدين من الزمن، نظرا لحجم الترابط الذي ساهمت في رصِّه عوامل مختلفة عبر الزمن،
فبالإضافة الى علاقة الدم والدين واللغة، يتقاسم الشعبان الجزائري والمغربي نضالات الماضي القريب و البعيد، كما تُؤرقهما مشاغل الحاضر الذي فرقهما، ويتطلعان بمنظور مشترك لمستقبل أفضل.
إن المباريات الذي دارت بين السياسيين، وحتى بعض مغني “الراب” مؤخرا اللذين يدّعون الفن (حرب الكلاشات)، لعبت أمام مُدرجات فارغة ودون جمهور، إذ نقل الشعبان اهتماماتهم وتطلعاتهم إلى فضاء افتراضي أرحب، عبروا فيه عن ترابطهم و تضامنهم مع بعضهم البعض.
ارتأت المنظوربريس أن تسلط عبر هذا “التقرير” الضوء، على أبرز ما يجمع الشعوب المغاربية انطلاقا من قولتهم الشهيرة “خاوة خاوة”.
مفهوم الحرية المشترك لدى الشعبين
عاش الشعبان المغربي و الجزائري ويلات المد الإمبريالي طيلة حقبة معينة, ذاق خلالها الشعبان مرارة القمع والتمييز والإستعمار، وهو ما خلف نتائج سلبية لا تزال مخلفاتها قائمة إلى حدود الساعة في كل من المغرب والجزائر. وواجهت مقاومة الشعبين، المد الامبريالي، كمقاومة الأمير عبد القادر في الجزائر، ومقاومة الحركة الوطنية ومحمد بن عبد الكريم الخطابي في المغرب على سبيل المثال.
وتواصل كفاح الشعبين طيلة عهد “الحجر” والحماية، مقدمين معاً نخبة من الشهداء، فكانت ثورتا “الملك والشعب” بالمغرب سنة 1953، وتبعتها ثورة “نوفمبر” سنة 1954 في الجزائر، لتشكلا انطلاقة حقيقية لتحرير المنطقة من الإمبريالية، وتُوجت باستقلال البلدين، ويحفظ التاريخ مواقف الشعب المغربي إلى جانب أشقائه الجزائريين في تدعيم ثورتهم.
خاوة خاوة.. لن يصير الدم ماءً !
تكشف الإحصائيات الرسمية أن عدد العائلات الجزائرية المقيمة في المغرب يتعدى عددها 15 ألف عائلة، وبنفس العدد تقريبا يوجد مغاربة في الجزائر، دون احتساب الجالية المغاربية بأوروبا و بقية العالم، وهو مؤشر على حجم الرابطة المتينة التي عززتها أكثر، علاقات المصاهرة والتزاوج وروابط القرابة والدم.
كما أن تقارب العادات وتشابهها إلى جانب تشابه اللهجة بين الشعبيين، خصوصا في المناطق الحدودية التي خلفها الاستعمار بين البلدين، فأغلبهم هناك ينحدرون من أصول واحدة، ممّا كوّن رابطة دم قوية لا يمكن لأيّ قوة أن تفصلها.
لوحة فنية تظهر “تراثا” مشتركا
رغم اختلاف تسميتها بين الجزائر والمغرب، إلا أنهما يشتركان في عشقهما لتلك العروض التي تصنع الفرجة خاصة في المواسم والمناسبات الوطنية والدينية، فتعرف هذه العروض في المغرب باسم “التبوريدة” وفي الجزائر ب”الفنطازية”.
وتمثل هذه العروض التي يؤديها الأمازيغي والعربي، بالنسبة للشعبين رمزا للشهامة التي تتجسد في شكلها التاريخ المشترك بين البلدين للرجل المغاربي الأصيل الذي تنسجم فيه عراقة اللباس في نسق متجانس للخيل، مشكلين لوحة فنية تظهر تراثا تاريخيا مجيدا للشعبين العريقين.
الأمازيغية.. حضارة على مر العصور
تتفق دول المغرب العربي على أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للمنطقة، ويجمع الجزائر والمغرب على وجود مكوّن من الأمازيغ يتمركزون في جبال الأطلس ووادي سوس ومنطقة الريف في المغرب، و في الجنوب الغربي منطقة القبايل في الجزائر، و تجمعهم عادات مشتركة ولغة غنية تفوح بعبق التاريخ الموري القديم الذي صد مد الإمبراطوريات القديمة قبل الميلاد، ولم يقبلوا بغير الاسلام دينا.
ويتشابه الامازيغ المغاربة والجزائريين في الكثير من العادات أكثر من غيرهم من الاعراق في اللباس والمأكل وتطابق تام في اللغة.
لهجة مشتركة و مزاج موحد
اللهجة الجزائرية باختلاف مشاربها، مفهومة وواضحة بالنسبة للشعب المغربي، ويستطيع استيعابها بشكل سريع أي مغربي، وذلك راجع لتشابه الثقافة، وتجد أحيانا تشابها في المصلحات المستعملة في مناطق في كلا الجهتين، رغم تباعدهما الجغرافي، أما بالمناطق الحدودية للمستعمر السابق فتجدها متطابقة تماما في اللهجة المستعملة.
في المقابل، ينتشر فن”الراي” بشكل رهيب بربوع المملكة، وأصبح لهذا الفن جمهور عريض في البلدين، وتربع الشاب خالد وبلال وغيرهم على قلوب المغاربة ممن صاروا مطلوبين بكثرة في الوسط الفني المغربي، كما سمح هذا التعاطي مع هذا الفن بظهور أصوات مغربية تؤدي النوع نفسه .
إذن فالشعبان على قلب رجل واحد، ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، من دين و لغة وتاريخ ومصير مشترك، وتفرقهم خطوط الوهم و آثار الإمبريالية البائدة، وهرطقات الجنرالات الشيوخ اللذين تحركهم القوى من خلف الستار .
Comments ( 0 )