المملكة المغربية تتفوق على الصين في قطاع السيارات الأوروبية
الصين، العملاق الصناعي والقاطرة الاقتصادية العالمية، هيمنت لفترة طويلة على قطاع السيارات. خلال السنوات الأخيرة، حققت البلاد أرقامًا قياسية جديدة في الإنتاج والتصدير، مستفيدة من الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية والعلامات التجارية الوطنية التي تشهد ازدهارًا. أغرقت الشركات المصنعة الصينية الأسواق الدولية، مقدمة سيارات مبتكرة بأسعار تنافسية، ونجحت في فرض نفسها كجهات فاعلة لا غنى عنها في صناعة السيارات العالمية. كانت هذه الهيمنة تبدو غير قابلة للتزعزع، حتى ظهر منافس غير متوقع من ضفاف البحر الأبيض المتوسط ليهز التسلسل الهرمي القائم.
المغرب، البطل الجديد لصناعة السيارات الأوروبية
بخلاف كل التوقعات، تمكن المغرب من الإطاحة بالصين وإزحتها عن عرش الشريك التجارية الرائد للإتحاد الاوروبي ليصبح الشريك التجاري الأول لصناعة السيارات مع الاتحاد الأوروبي. بحجم أعمال تجاوز 15.1 مليار يورو، نجحت المملكة المغربية الشريفة في التفوق على العملاق الصيني، الذي سجل 13.6 مليار يورو. ويشكل هذا الإنجاز البارز و المتميز، الذي كشف عنه المكتب المغربي للصرف الخارجي وجمعية منتجي و مصنعي السيارات الأوروبية (ACEA)،حيث يمثل نقطة تحول في صناعة السيارات العالمية ويؤكد بروز قطب إنتاج جديد ومهم في القارة الإفريقية.
يعتمد النجاح المغربي على استراتيجية صناعية جريئة
يعتمد النجاح المغربي على استراتيجية صناعية جريئة تركز على جذب الاستثمار الأجنبي وتطوير التجمعات التنافسية. أصبحت مواقع الإنتاج في طنجة والقنيطرة معاقل لصناعة السيارات، حيث تستضيف شركات عملاقة مثل “داسيا” (فرع رينو) و”ستيلانتس”. وقد وجدت هذه الشركات المصنعة أرضا خصبة للتوسع في المغرب، مستفيدة من القوى العاملة المؤهلة والبنية التحتية الحديثة والقرب الجغرافي من أوروبا مما يسهل عمليات التصدير.
صعود سريع وقوي
إن التقدم الذي أحرزه المغرب في صناعة السيارات مذهل. وخلال سنة 2020 و2023، سجلت المملكة المغربية زيادة بنسبة 63% في إنتاجها، مما أظهر مرونة استثنائية في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية. وقد سمح هذا النمو الهائل للمملكة بالارتقاء إلى مرتبة ثاني أكبر منتج للسيارات في أفريقيا، خلف جنوب أفريقيا مباشرة.
ولا تتوقف الطموحات المغربية عند هذا الحد. فقد حددت الحكومة المغربية هدفاً طموحاً يتمثل في إنتاج مليون سيارة سنوياً بحلول سنة 2025، وهو هدف قد يكرس مكانة المملكة المغربية كأحد اللاعبين الرئيسيين في صناعة السيارات العالمية. وفي الوقت الحالي، يتمتع المغرب بقدرة إنتاجية تبلغ 700 ألف وحدة سنوية، مدعومة بنظام بيئي صناعي قوي يضم أكثر من 230 موردا محليا ويوفر 220 ألف فرصة عمل في هذا القطاع.
ويعتمد النجاح المغربي أيضًا على تنوع إنتاجه. في حين لا تزال الصين تهيمن من حيث الحجم بإجمالي 782 ألف سيارة تم تصديرها إلى أوروبا، يتميز المغرب بقيمة مضافة في إنتاجه. يتم إنتاج نماذج شهيرة مثل “داسيا سانديرو” و”سيتروين أمي” في المصانع المغربية، مما يعكس قدرة المملكة على تصنيع سيارات تلبي متطلبات السوق الأوروبية.
نموذج للتنمية الصناعية في إفريقيا
يشكل صعود صناعة السيارات المغربية نموذجًا ملهمًا لدول أفريقية أخرى تسعى إلى تنويع اقتصادها والاندماج في سلاسل القيمة العالمية. من خلال الاستفادة من مزاياها النسبية وتطوير سياسة صناعية متماسكة، تمكن المغرب من إنشاء نظام بيئي كامل لصناعة السيارات، بدءًا من إنتاج المكونات إلى التجميع النهائي للسيارات.
ومع ذلك، تثير هذه النجاحات تساؤلات حول مستقبل صناعة السيارات في أوروبا والصين. بينما يقوم صناع السيارات الأوروبيون بنقل جزء من إنتاجهم إلى المغرب للحفاظ على قدرتهم التنافسية، قد تتعرض هيمنة الصين على السوق الأوروبية للضعف. قد تؤدي هذه التغيرات الجيو-اقتصادية إلى إعادة رسم خريطة صناعة السيارات العالمية، مع لعب المغرب دورًا مركزيًا في هذه إعادة التشكيل.
التحدي الآن للمغرب سيكون في الحفاظ على مساره الصاعد مع التقدم في سلسلة القيمة. الرهان كبير: الانتقال من مجرد مُجمّع إلى مصمم ومنتج لسيارات ذات قيمة مضافة عالية، خاصة في قطاع السيارات الكهربائية والمتصلة. فقط من خلال هذا الشرط يمكن للمملكة تعزيز مكانتها كقائد في المجال والاستمرار في التنافس مع عمالقة القطاع على المدى الطويل.
Comments ( 0 )