المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية 2025: جذور العقيدتين والتداعيات الإنسانية
بدأت المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران في 13 يونيو 2025، لتنهي اسبوعا الأول و تدشن لمرحلة غير مسبوقة في تاريخ الصراعات الإقليمية بالشرق الأوسط. هذه الحرب، تكشف عن تعقيدات عميقة الجذور، ليس فقط في السياق العسكري والسياسي، بل في الأيديولوجيات التي شكلت العقيدتين الأساسيتين للطرفين: عقيدة بيغن الإسرائيلية وعقيدة الخميني الإيرانية. و ذلك عبر تحليلنا الذي ينتصر للقيم الإنسانية قبل كل شيء، بعيدا عن الايديولوجيات و التعصبات، نسعى لفهم ديناميكيات هذا الصراع، الخسائر البشرية، التداعيات الإقليمية والدولية، والاحتمالات المستقبلية لإنهائه، مع التركيز على السياقات التاريخية والأيديولوجية التي تقود هذه المواجهة التي بدأت تدفع نحو الانقسامات في العديد من دول بالمنطقة.
آخر المستجدات: تصعيد مستمر وخسائر متصاعدة
حتى يوم 19 يونيو 2025، تستمر المواجهة بين إسرائيل وإيران بوتيرة متسارعة. شنت إسرائيل، تحت اسم العملية الرمزية “عَم كِلافي” (شعب كلبؤة)، ضربات جوية واسعة النطاق استهدفت منشآت نووية إيرانية، مصانع صواريخ باليستية، وقادة عسكريين وعلماء نوويين، محققةً ما وصفه الجيش الإسرائيلي بتدمير ثلث منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية. في المقابل، ردت إيران بعملية “الوعد الصادق 3″، التي شملت إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة على مواقع عسكرية ومدنية في إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 24 شخصًا على الأقل وإصابة المئات. إيران، من جانبها، أعلنت عن سقوط 224 شهيدًا و1277 جريحًا نتيجة الهجمات الإسرائيلية، مع استهداف بنى تحتية مدنية مثل مبنى الإذاعة والتلفزيون في طهران.
تصريحات الطرفين تعكس تصعيدًا خطابيًا. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برر الهجمات كعملية دفاع استباقي ضد التهديد النووي الإيراني، متهمًا إيران باستهداف المدنيين عمدًا. في المقابل، أكد السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرفاني، أن ضربات إيران “متناسبة” وموجهة حصريًا لأهداف عسكرية، متهمًا إسرائيل بانتهاك القانون الدولي عبر استهداف المدنيين والبنية التحتية. هذا التبادل في الاتهامات يكشف عن محاولة كل طرف لتسويغ أفعاله أمام المجتمع الدولي، بينما يتجاهلان التكلفة الإنسانية الباهظة.
جذور الصراع: عقيدة بيغن مقابل عقيدة الخميني
لنفهم السياق الأعمق لهذا الصراع، يجب العودة إلى الأسس الأيديولوجية التي شكلت سياسات البلدين: عقيدة بيغن الإسرائيلية وعقيدة الخميني الإيرانية.
عقيدة بيغن: الدفاع الاستباقي والحرب الوقائية
عقيدة بيغن، التي تبلورت في يونيو 1981 عقب عملية “أوبرا” ضد المفاعل النووي العراقي “تموز”، ترتكز على مبدأ منع أي عدو محتمل من امتلاك أسلحة دمار شامل، خاصة الأسلحة النووية. أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، مناحيم بيغن، أن إسرائيل لن تتسامح مع تهديدات وجودية، وستستخدم كل الوسائل للدفاع عن مواطنيها. هذه العقيدة، التي تعززت لاحقًا تحت قيادات متعاقبة، تتجلى في استراتيجية “الدفاع الاستباقي” التي تجمع بين العمليات العسكرية، الاستخباراتية، والدبلوماسية لتحييد التهديدات قبل تبلورها. الجنرال إيال زامير، في ورقته البحثية عام 2022، دعا إلى مقاربة شاملة تستهدف “الرأس” (القيادات والمنشآت الحساسة) بدلاً من “الذيل” (الوكلاء الإقليميين)، وهو ما يبدو أنه يشكل الأساس النظري للهجوم الحالي على إيران.
هذه العقيدة، رغم فعاليتها التكتيكية، تحمل طابعًا توسعيًا يتجاوز الدفاع عن النفس إلى فرض الهيمنة الإقليمية. استهداف المنشآت النووية الإيرانية والقيادات العسكرية يعكس رؤية إسرائيلية ترى في إيران تهديدًا وجوديًا، لكنها تثير تساؤلات حول مدى شرعية مثل هذه العمليات الاستباقية التي تنتهك سيادة دول أخرى وتتسبب في خسائر مدنية.
عقيدة الخميني: ولاية الفقيه وتصدير الثورة
في المقابل، تقوم عقيدة الخميني، التي أسسها آية الله روح الله الخميني عقب الثورة الإسلامية عام 1979، على مبدأ “ولاية الفقيه”، الذي يمنح الفقهاء الشيعة سلطة الحكم نيابة عن الإمام المهدي الغائب. تهدف هذه العقيدة إلى حماية الإسلام والمسلمين من خلال نظام سياسي ديني يعزز الهوية الشيعية ويصدر الثورة إلى المنطقة عبر دعم الحلفاء والوكلاء، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. تعتمد إيران على استراتيجية “الصبر الاستراتيجي”، التي تمكنها من تجنب المواجهة المباشرة مع خصومها، مفضلةً استخدام المليشيات لتوسيع نفوذها الإقليمي.
لكن هذه العقيدة، التي تسعى إلى تعزيز الهيمنة الإيرانية تحت مظلة دينية، واجهت تحديات كبيرة مع تراجع فعالية وكلائها الإقليميين، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا عام 2024 وتقلص دور حزب الله في لبنان. الهجوم الإسرائيلي الأخير أجبر إيران على الخروج من منطقة “الراحة الاستراتيجية” إلى مواجهة مباشرة، مما يكشف عن هشاشة هذه العقيدة في مواجهة قوة عسكرية متفوقة.
التداعيات الإقليمية والدولية
الصراع الحالي يهدد بجر المنطقة إلى فوضى شاملة. دول المنطقة، مثل مصر، قطر، عُمان، ولبنان، أدانت الهجمات الإسرائيلية، محذرة من تداعياتها على الاستقرار الإقليمي. الأزهر الشريف وصف العمليات الإسرائيلية بـ”العدوان الصهيوني”، بينما عبرت حركة حماس عن تضامنها مع إيران، متهمة إسرائيل بتهديد وجودي للمنطقة. على الصعيد الدولي، أدانت دول مثل نيجيريا والنرويج وكوريا الجنوبية التصعيد، داعية إلى ضبط النفس. الولايات المتحدة، بدورها، أعلنت دعمها لإسرائيل، مما يعزز الانقسام الدولي ويثير مخاوف من حرب إقليمية أوسع.
اقتصاديًا، يهدد الصراع بارتفاع أسعار النفط، مما يفاقم أزمة تكاليف المعيشة عالميًا. روسيا، كمستفيد محتمل من هذا الارتفاع، قد تجد في الصراع فرصة لتمويل حربها في أوكرانيا، مما يعقد التوازنات الدولية.
احتمالات إنهاء الحرب
السيناريوهات المحتملة لإنهاء الصراع تتوقف على طبيعة الردود العسكرية والجهود الدبلوماسية:
رد إيراني محدود: إذا اكتفت إيران بردود محدودة، كما في عمليات سابقة، قد تحقق إسرائيل تفوقًا معنويًا وسياسيًا، لكن ذلك قد يعزز شهيتها لمزيد من الضربات، مما يطيل أمد الصراع.
تصعيد شامل: رد إيراني قوي قد يستدرج تدخلاً أمريكيًا مباشرًا، مما يهدد بتداعيات كارثية على الداخل الإيراني والمنطقة بأسرها.
وساطة إقليمية ودولية: جهود وساطة، مثل تلك التي يقودها وزير الخارجية السعودي أو مفاوضات وزراء خارجية أوروبا مع إيران في جنيف، قد تحد من التصعيد إذا نجحت في فرض هدنة أو تفاهمات دبلوماسية.
الإنسانية تصرخ: القيم فوق الأيديولوجيات
من منظور إنساني، كلا العقيدتين—بيغن والخميني—تتحملان مسؤولية تفاقم المعاناة الإنسانية. عقيدة بيغن، بتركيزها على الضربات الاستباقية، تتجاهل التكلفة البشرية والانتهاكات للقانون الدولي، حيث أدت الهجمات إلى استشهاد مدنيين، بما في ذلك نساء وأطفال في إيران. على الجانب الآخر، عقيدة الخميني، التي تسعى لتصدير الثورة، ساهمت في زعزعة استقرار المنطقة عبر دعم المليشيات، مما جعل إيران هدفًا للتصعيد العسكري. كلا الطرفين يبرران أفعالهما بمبررات أمنية وأيديولوجية، لكنهما يتغافلان عن الخسائر البشرية والدمار الذي يصيب المدنيين.
منظور أوسع:
المواجهة الحالية بين إسرائيل وإيران ليست مجرد صراع عسكري، بل تعبير عن عقائد توسعية تتصارع على الهيمنة الإقليمية. لإنهاء هذا الصراع، يجب أن تتجاوز الأطراف المنطق الأيديولوجي وتتبنى نهجًا يركز على القيم الإنسانية: وقف فوري لإطلاق النار، حماية المدنيين، واللجوء إلى الوساطة الدولية لإيجاد حلول دبلوماسية. الشرق الأوسط، الذي يعاني أصلًا من نزاعات طويلة الأمد، لا يحتمل حربًا شاملة جديدة. إن استمرار التصعيد لن ينتج سوى المزيد من الدمار، بينما الحوار والتعاون الإقليمي هما السبيل الوحيد لتحقيق استقرار مستدام يحترم كرامة الإنسان وحقه في الحياة.
Comments ( 0 )