ما قد تجهله عن “النكتة” عند تناقلها… سم قاتل لمجتمعك
لطالما كانت النكتة سببا للضحكات في التجمعات العائلية وبين الأصدقاء ، ومصدرا لنشر الفرح و المتعة للجميع ، لكن في نفس الوقت يمكن أن تتحول إلى مصدر للتفرقة و الوصم الإجتماعي خصوصا داخل المجتمعات التي تحمل تعدديات عرقية ودينية وأيديولوجية ، فكيف ذلك ؟
أولاً النكتة نتاج جماعي يتسم بطابع الشعبية في الابتكار والانتشار، فلكل من أفراد الجماعة إضافة تضاف لرصيد غيره أو تعديلٌ لمعطيات إنتاج من سبقه ، وهذا يساعد المبدع الشعبي على التعبير والتفنن في تضمين الأحداث والوقائع بطرق يبتكرها هو بمزاجه الخاص، فالنكتة لا تكلف صاحبها ابتكارا في خلق الموضوعات بقدر ما يتطلب منه أن يضفي عليها الترفيه والإمتاع، الذين يتماشيان وذوق الطبقات الشعبية .
النكتة آداة للتعبير :
فالنكتة بما هي عمل درامي مستقل بذاته له تركيبة أدبية مضغوطة ومكثفة، من المفترض أن تكون إفرازا ساخرا لأزمات الدول والثقافات ووسيلة للتعبير عن الرأي . لكن قد يسوء إستعمالها للسخرية من فئة إجتماعية بعينها إذ يكفي أن تتعرض بنكتة لأي فئة ، حتى تنبري هذه الفئة بطريقة قبلية حماسية للدفاع عن نفسها حتى لو لم تكن النكتة تمسهم بشكلٍ مباشر ، وهذا الذي يخلق النزاع داخل المجتمع .
النكتة سلاح !
في مؤتمر للكاتب و الساخر المصري الكبير محمود السعدني يقول فيه أن أعداء مصر استعملوا النكتة لاختراق المجتمع المصري عبر ترويج مجموعة من النكات التي تستهدف القرويين في مصر (الصعايدة) حيث قال ” أن المستهدف هو نصف الأمة المصرية والتي لها ميزة على النصف الآخر فهم أشداء في الحرب والعمل ولهم جلد رهيب على العمل فهم قوة حقيقية ، وضرب هذه الفئة هو ضرب ثروة ثمينة للمجتمع ” وأضاف ” أنه يجب على المصريين التوقف على السخرية من الصعايدة ” وقد نبه على “أن النفاذ إلينا من هذا الجانب أخطر من إختراق الحدود حتى بقوة السلاح ” و ” أنه لابد ونحن نتداول النكتة أن نفتش عن أعدائنا خلف هذه النكات.
النكتة سبب للوصم الإجتماعي :
إلى جانب خلق الفتن والتفرقة بين فئات المجتمع ، قد يؤدي الإستعمال السلبي للنكتة إلى وصم بعض الأفراد داخل المجتمع ببعض الصفات التي قد تبقى لصيقة بهم وتكون سببا لهم في التنمر و العنصرية ضدهم وكمثال على ذلك نكتة متداولة بشدة في الولايات المتحدة الأمريكية تقول ” إذا تواجد زنجي و مكسيكي داخل سيارة فمن سيقوم بقيادتها ، فتكون الإجابة الصحيحة أن الشرطي هو السائق ” تحمل هذه النكتة دلالة تصم الأمريكي أسود البشرة و المكسيكي على أنهم مجرمون فتكون سببا في العديد من المشاكل لهذه الفئة المجتمعية .
وفي موروثنا الثقافي كذلك يوجد مثل هذه النكات التي تلعب دورا سلبيا داخل مجتمعنا من قبيل تلك التي تبتدئ ب( قاليك هذا واحد العروبي … قاليك هذا واحد الشلح…قاليك هذا واحد البركاني…) ولها التأثير نفسه ، وقد يطال أثرها في بعض الأحيان شخصيات بمتابة قدوات داخل النسيج المجتمعي مثل ” المعلم و الفقيه والأم والأب… ” حيث تقلل من إحترامهم في أعين الناس ما يؤدي إلى إحساسهم بعدم الأمان داخل مجتمعهم وهذا بدوره له أثر على تأديتهم لأدوارهم .
خلاصة القول :
لطالما كان الموروث الشعبي أداة للبناء في كل المجتمعات ، وكانت للنكتة بالخصوص دور في إضفاء السعادة و المرح على الجلسات العائلية وغيرها من حيث هي أداة للم الشمل وخلق اللحمة و الإنسجام ، لكن الإستعمال الخاطئ والإستهانة بأثره قد يؤدي إلى نتائج عكسية . لهذا لابد ونحن نتداول النكتة يجب أن نفتش عن الدلالات الكامنة خلفها و الغرض الذي ترمي إليه .
ولنتذكر قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
Comments ( 0 )