بين قوة الشخصية والوقاحة خيط رفيع
في حياتنا اليومية نصادف شخصيات قوية وأخرى تتسم بالوقاحة، إلا أنه في غالب الأحيان نخلط بين المفهومين وكيفية تحديد حقيقة الشخص الذي أمامنا وفقا لمعايير معتمدة قد لا تكون صائبة.
عادة ما تكون الشخصية القوية تعتمد على مواقف صريحة وأفكار ومعتقدات توضح مدى تمكنها من الأشياء بطريقة جيدة وقد تبدو صارمة في أمور لا يمكنها أن تمر عليها مرور الكرام، بل تدافع عنها بشراسة إذا اقتضى الحال دون تجاوز الحدود المسموح بها أو المس بحرية الآخرين.
على النقيب من ذلك، قد تجد الشخصية الوقحة ترمي حروف كلماتها في وجه مخاطبها بطريقة تفتقد لأبسط أساليب الحوار ظنا منها أنها قوية وجريئة وتثبت نفسها بشكل أو بآخر، غالبا ما ترتكز هذه الشخصية على أفكار فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع، كما تجدها تقذف بالنقص الذي تشعر به إلى الخارج لتنسبه إلى مخاطبها، بينما تبدو وكأنها تصرخ وتصارع ماذا لا تدري؟ فهي تريد فقط أن تشعر الطرف الاخر بقوتها المنتفية وتقنعه بموقفها حتى وإن كان بطريقة متبجحة.
يرى البعض أن الشخصية القوية غالبا ماتجدها هادئة تتكلم بأسلوب جيد وبشكل جذاب من خلال استعمال صوت معتدل لا يعلو ولا ينخفض يمشي في مسار مستقيم ليصل إلى الطرف الآخر ويلقي في نفسه الاستقرار والثقة بما يقوله المتحدث، فين حين تجده صاحب مواقف حازمة وصلبة يدافع عنها ويوضحها بشكل يجعله يكشف عن مهاراته وتمكنه من لجم زمام الأمور دون تنصله من القيم والأخلاق النبيلة التي تزيد من قوته وبلاغته في إيصال رسالته وكسب ثقة الشخص الآخر في مواقفه.
فيما يرى البعض الآخر، أن الوقاحة تتجلى في أسمى صفاتها لدى الشخص الفاشل الذي يعتمد على هذا الأسلوب ليضيء كنجم في سماء الكون لكن سرعان ما ينطفئ أمله عندما ينفر منه هؤلاء وأولئك الذين أدركوا حقيقته كونه يتحدث من فراغ ولا يكاد أن يكون مدرك لوضعه في بعض الحالات التي تتملكها الأنا وتقودها للتعجرف والتكبر و حب النفس المبالغ فيه. ليجد نفسه في آخر المطاف شخصا غير مرغوب فيه ولا في ما يقدم. مما يضعه في دائرة العزلة الإجتماعية والنفور بسبب افتقاره للمهارات الأساسية التي تجعله مؤثر بطريقة صحيحة.
يبدو أن هناك خيط رفيع جداً بين القوة والوقاحة يجب أن يحتاط الشخص في الأمر لكي لا ينزلق مع التيار المعاكس وان يثبت قوته من خلال تنمية فكرة وثقافته وبناء سبل التواصل والتطلع على أفكار وأساليب الآخرين في تحليل الأشياء واكتساب معارف وتنمية مهاراته ليكون صاحب موقف لا مسحوب من المواقف ومستنكر من طرف المحيطين به قد تتكون هناك إشارة مخفية بين الأسطر سيدركها من يقرأ بتأمل وتدبر في آن واحد ليظفر بمغزى الكلمات.
لعل أبرز ما يجب إدراكه هو إمكانية إنزلاق الشخصية القوية إلى الوقاحة إذا لم تكن حذرة، هنأ يتجلى فعلا معنى الخيط الرفيع بين المفهومين لذلك يتعين علينا أن نتأنى في إصدار الأحكام على الأشخاص، لأن الفارق الحقيقي بين القوة والوقاحة ليس مجرد مسألة سلوك. بل يتعلق بالقيم والمبادئ التي تحكم تصرفاتنا، الأمر الذي يتطلب منا بناء قوتنا على أساس متين من الاحترام والمعرفة بعيداً عن الوقاحة التي لا تفضي إلا إلى العزلة.
Comments ( 0 )