تصور استباقي: صيغة الحكم الذاتي 2030 من المبادرة السياسية إلى الصيغة الدستورية المتقدمة 4/5
عرفت نهاية سنة 2025 تحولات إيجابية في قضية الصحراء المغربية، حيث لم تعد المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية مجرد ورقة تفاوض أو مقترح سياسي قابل للأخذ والرد، بل تحولت إلى خيار دولي واقعي يحظى بدعم متزايد داخل مجلس الأمن، كان آخره القرار رقم 2797 في أكتوبر 2025، وبتأييد دول وازنة مثل فرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية، إلى جانب الولايات المتحدة ودول إفريقية أخرى.
وبعد أن أثبتت الجهوية المتقدمة نجاعتها، ونجح النموذج التنموي الجديد في تحويل الصحراء إلى قطب اقتصادي واستراتيجي، فان السؤال المطروح اليوم هو:
_ كيف يمكن للمغرب أن يطوّر مبادرته نحو صيغة حكم ذاتي أكثر نضجا واتساعا في أفق 2030؟
![]()
من هذا المنطلق، نقترح نحن– كصحفيين يشتغلون بمنطق صحافة الحلول – تصورا استباقيا متكاملا من وجهة نظرنا، بالاستناد إلى تجارب عالمية ناجحة، لكن تماشيا مع الخصوصية المغربية، ما يجعل الحكم الذاتي المغربي الأوسع والأكثر ضمانا في إفريقيا، ويستطيع طي هذا الملف نهائيا.
في سياق متصل، سنتطرق لمجموعة من المقترحات العملية لصيغة الحكم الذاتي حسب تصورنا، والتي ستكون كالاتي:
ست اقتراحات عملية لصيغة الحكم الذاتي 2030: من الفكرة إلى التنفيذ
![]()
1_ برلمان جهوي منتخب مباشرة بغرفتين
يتكون من:
■ غرفة النواب: منتخبون مباشرة من الساكنة.
■ غرفة ممثلي الجهات: لضمان التمثيل الاجتماعي والتاريخي.
يعتبر هذا النموذج مستوحى من تجربة كاتالونيا، حيث يتمتع البرلمان الجهوي بصلاحيات تشريعية واسعة في المجالات المحلية.أما بالنسبة للمغرب يمكن أن يتراوح عدد الأعضاء بين 80 و100 عضو، مع انتخابات كل خمس سنوات، ليصبح البرلمان الجهوي مؤسسة تشريعية فعلية لا مجرد هيئة استشارية.
2_ حكومة جهوية برئيس منتخب مباشرة
في هذا الصدد، سيتم انتخاب رئيس الجهة مباشرة من طرف المواطنين، ليقود حكومة جهوية مسؤولة عن التنفيذ اليومي للسياسات العمومية.
وإذا رجعنا للتجربة في كاتالونيا، فإن الرئيس يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة في مجال الصحة والتعليم والتخطيط. بينما نجد المقترح المغربي يمنح لرئيس الجهة:
■ صلاحيات في التخطيط الجهوي
■ إدارة الميزانية
■ عقد الشراكات الدولية مع خضوعه للمساءلة أمام البرلمان الجهوي.
3_ صلاحيات حصرية واسعة في المجالات الحيوية والتي تشمل:
■ التعليم (بمناهج محلية تراعي الثقافة الحسانية)
■ الصحة
■ الثقافة
■ الشرطة المحلية
■ الضرائب المحلية
■ استغلال الموارد الطبيعية
كما يقترح أن تبقى 70% من عائدات الفوسفاط، الصيد البحري والطاقة داخل الجهة. وهذا النموذج مستوحى من إقليم الباسك، الذي يتمتع باستقلالية مالية شبه كاملة عبر تحصيل الضرائب محليا.
![]()
4_ تمثيل دبلوماسي واقتصادي خارجي
ويتم ذلك عبر السماح للجهات الجنوبية بفتح مكاتب تمثيلية اقتصادية وثقافية في عواصم استراتيجية مثل: واشنطن، بروكسل، أبيدجان، داكار وغيرها…
تعد تجربة هونغ كونغ مثالا حيا، حيث تمتلك تمثيلا خارجيا شبه مستقل رغم سيادة الدولة المركزية. أما فيما يخص المغرب، سيسمح هذا التمثيل بالترويج المباشر للاستثمارات في الطاقة المتجددة والاقتصاد الأزرق وممكن مجالات أخرى أيضا.
5_ ضمانات دستورية ودولية قوية
تندرج صيغة الحكم الذاتي ضمن الإطار الدستوري للجهوية المتقدمة، كما ينص عليها الدستور المغربي في الباب التاسع، الذي ينظم اختصاصات الجهات ويمنحها صلاحيات واسعة في التدبير المحلي، بما يضمن استقلاليتها في المجالات الحيوية مثل التعليم والصحة والثقافة والموارد الطبيعية.
ويؤكد الفصل السابع من الدستور على أن الأحزاب السياسية لا يجوز أن تقوم على أساس جهوي أو لغوي أو عرقي أو ديني. ما يضمن أن صيغة الحكم الذاتي لن تكون أداة لتقسيم الدولة أو خلق تمييز سياسي، بل إطار مؤسساتي متوازن يحافظ على الوحدة الوطنية.
كما يقترح المشروع المغربي توقيع اتفاقية دولية تحت رعاية الأمم المتحدة، لضمان الالتزام الدولي بصياغة الحكم الذاتي وحماية حقوق جميع الأطراف، بما يعزز مصداقية المغرب ويضمن أن هذا النموذج سيكون حل سياسي دائم يتوافق مع القانون الدولي.
![]()
بالمقابل، فإن تجربة جزر أولاند لسنة 1921 تعتبر مرجعا تاريخيا يحتذى به، حيث ضمنت عصبة الأمم حكما ذاتيا دائما تحت سيادة فنلندا. بينما الاقتراح المغربي يدعو إلى اتفاق مماثل يوقع بحضور الأطراف المعنية، لإنهاء النزاع بشكل نهائي.
6_ آلية مشتركة لتسوية النزاعات
ويتم ذلك من خلال إحداث محكمة دستورية مشتركة:
■ نصف أعضائها من الجهة
■ نصفهم الاخر من الدولة
ومن أجل فض النزاعات المرتبطة بتوزيع الصلاحيات فإن هذا النموذج مستوحى من تجربة جنوب تيرول الإيطالية، التي حولت النزاع الدموي إلى تعاون مؤسساتي مستقر.
جدول مقارنة: التصور المغربي مقابل النماذج العالمية
يتطرق الجدول أسفله إلى تحليل التصور المغربي للحكم الذاتي 2030
![]()
يتضح من خلال هذا الجدول أن التصور المغربي للحكم الذاتي في أفق 2030 لا يقل طموحا عن أبرز النماذج العالمية، بل يتجاوز بعضها من حيث شمولية الصلاحيات وتوازنها. بينما ركزت بعض التجارب مثل هونغ كونغ على الاستقلالية الاقتصادية، أو كاتالونيا وإقليم الباسك على التوسيع التشريعي والتنفيذي، فإن المقترح المغربي يجمع بين التمثيل الديمقراطي الواسع والاستقلال المالي، والتمثيل الخارجي، إلى جانب ضمانات دستورية ودولية صلبة.
لعل هذا التكامل يجعل من الحكم الذاتي المغربي نموذج نوعي لا يقوم على الاستنساخ، بل على تكييف ذكي للتجارب الدولية مع الخصوصية المغربية، بما يضمن الاستقرار ويمنح الساكنة سلطة فعلية في تدبير شؤونها.
خطوات فورية للبدء في سنة 2026
في حالة تعثر الخطوات التي تفيد جمع الاطراف المعنية في طاولة النقاش، يكمن للمغرب القيام بالإجراءات الآتية دون انتظار أي مسار تفاوضي جديد من خلال:
■ تعديل قانون الجهوية 111-14 لإدراج الغرفة الثانية والانتخاب المباشر.
■ تخصيص 70% من العائدات المحلية لجهات الجنوب فورا.
■ فتح مكاتب تمثيلية تجريبية في ثلاث عواصم إفريقية.
■ تقديم مشروع اتفاقية دولية للأمم المتحدة مطلع 2026.
■ إحداث لجنة مشتركة لتسوية النزاعات تضم خبراء دوليين.
بهذا التصور لا يعد الحكم الذاتي تنازلا سياسيا، إنما مشروع دولة واثقة من نفسها، تحول نزاعا إقليميا مفتعلا إلى نموذج للحكم الرشيد والتنمية المستدامة والاستقرار بالمنطقة. وقد يصبح نموذجا عالميا يدرس في الجامعات، وتجربة ناجحة يحتذى بها في مثل هذه الملفات، كأهم الوسائل البديلة لحل النزاعات.
Comments ( 0 )