على إثر مجموعة من الفيديوهات التي راجت في مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت قياسي لسلوكيات مشينة نذكر منها واقعة التحرش بفتاة في طنجة، وسط الشارع العام من طرف قاصر، والتي استوقفت الرأي العام مرة اخرى، للتساؤل عن أسباب و المسؤول عن هذا الانحطاط الاخلاقي، الذي أصبح يعيشه المجتمع المغربي .
هل أصبحنا نعيش في مجتمع انعدمت فيه الاخلاق والتربية ؟
أين هو دور المؤسسات التربوية لخلق و تكوين مجتمع صالح ؟
إلى وقت ليس بالبعيد، كان مفهوم الأخلاق مختلف عن الوقت الحالي، إذ كان المجتمع هو صمام الأمان لحفظ الأخلاق والقيم من الضياع والإندثار، وكانت أعرافه المتعارف عليها بين الناس بمثابة قانون موثق يصعب اختراقه أو تجاوزه، فكان المجتمع قديماً متماسكاً إلى حدٍ بعيدٍ وكانت النخوة والشهامة والتسامح والعفو ووجود المُصلحين من أهل الخير بين الناس، أبرز مظاهر المجتمع السائدة آنذاك، وكانت المروءة والحياء أصلاً مؤصلاً بين الناس رجالهم ونسائهم وصغارهم وكبارهم، وكان احترام الكبير سواءً أكنت تعرفه مسبقاً أم لم تعرفه، كفرضٍ من فروض الصلاة يستحيل التخلي عنه.
أما الآن فقد تغيرت المفاهيم و المعايير الاخلاقية، وهذا راجع إلى العولمة والانفتاح الكبير الذي يعرفه المغرب، والإختلاط مع الثقافات الغربية، مما ساهم في انهيار منظومة الأخلاق، والقيم لدى المجتمع المغربي وخصوصا بنسبة للشباب، مما انعكس سلبا على استقرار وتماسك المجتمع .
يعتبر علماء الإجتماع أن الإنحلال الأخلاقي ظاهرة خطيرة جدا وخاصة في السنوات الأخيرة، وتكمن خطورتها في انها تُلقي بظلالها على كل الأفراد وعلى المجتمع والدولة.ويعرفون هذا الانحلال الأخلاقي بأنه فقدان بعض الأفراد جوهر القيم والمبادئ الاخلاقية الاسلامية، وقيامهم بكل ما يتنافى مع الآداب العامة والإسلامية خاصة.
لنتوقف لحظة لنتساءل عن هذه الأسباب، فحسب الباحثين وعلماء الاجتماع، فهم يرجحون غياب القيم و الأخلاق إلى مجموعة من العوامل من أهمها :
- غياب دور الأسرة و الرقابة الأسرية :
لاحظ علماء الاجتماع أن الأسرة تخلت عن دورها في الرقابة والتنشئة الصالحة، كونها من أهم المؤسسات التربوية، وتعد أساس بنية المجتمع، فإذا صلحت تلك البنية، صلح المجتمع و سار متماسكا.ويعود تراجع دور الأسرة إلى العديد من العوامل من بينها، تردي الاوضاع الاقتصادية ، و الإنشغالات اليومية و الضغوطات التي اصبحنا نعيشها، وكذلك صعوبة فرض السيطرة على الأبناء، نتيجة التقدم التكنولوجي و غيرها من العوامل.
- تراجع دور المدرسة :
في السنوات الأخيرة تراجع الدور التربوي للمؤسسات التعليمية، الذي لا يقل أهمية عن دور الأسرة، فهو الذي يقوم بتكوين الشخص فكريا و ثقافيا، وكذا تربية الناشئة على القيم النبيلة والسلوكات الحميدة، فالمدرسة المغربية اليوم تغيرت عن ما كانت عليه بالأمس، والدليل هو ما نشاهده في الوقت الحاضر من ظواهر مخلة وسلوكات منحرفة، كالعنف والتطرف والغش في الامتحانات وتعاطي المخدرات وغيرها من الممارسات التي تهدد كيان المجتمع وتماسكه.
- مواقع التواصل الاجتماعي :
لقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في الكشف عن جانب من جوانب الانحلال الأخلاقي الذي يعرفه المجتمع المغربي، والذي كان في مراحل سابقة يتم في الخفاء، في ظل النفاق الاجتماعي ووراء ستار (الأخلاق) والتدين.
ويرى كل من علماء النفس وعلماء الإجتماع، أن إشكالية وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا بشكل عام، تكمن في كوننا نسيء استخدامها، فنستغل فقط الجانب السلبي منها، وهذا التطور التكنولوجي فتح الباب على مصراعيه للعديد من الظواهر الشاذة والطابوهات، ونشر فيديوهات مخلة بالأدب و مخالفة للقيم الإجتماعية والدينية، وسمحت بظهورها للعلن من أجل خلق ما يسمي” بالبوز” بهدف الشهرة .
وحسب المختصين فإن هذه المشاكل ناتجة عن غياب ظوابط لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث يدقون ناقوس الخطر، ويرون أن الوقت قد حان لتكثيف الجهود من أجل إيجاد حلول لهذه الظواهر، ونشر ثقافة التعامل مع التكنولوجيا وترشيد إستعمالها، بمساهمة كل من الآباء والفاعلين الإجتماعيين، للحد من خطورتها وسلبياتها على الفرد والمجتمع.
و في المحصلة فإن جل هذه العوامل، لا يمكن إلا أن تقود نحو إنتاج هذه الأجيال الشابة المحبطة والمتمردة على أعراف وقوانين المجتمع .
ليطرح مرة الأخرى السؤال الجوهري .. ما الحل ؟
- الحل يبدأ من الأسرة التي يقع على عاتقها، واجب التركيز على التوجيه والإرشاد، وتقديم النصح وتبيان الصحيح من الخطأ، عبر الحوار الهادئ المتزن والهادف. كما يجب على الآباء والامهات أن يراقبوا الأبناء بحذر، لكي يعرفوا ما يشاهدونه على التلفاز وعلى وسائل التواصل الإجتماعي.
- بناء مدرسة مغربية قوية، وسط تضارب القيم الاجتماعية والأخلاقية ، ومدها بالوسائل التكنولوجية اللازمة.
- فتح مزيد من آفاق الشغل للشباب الخريجين والعاطلين عموما .
- إعادة بناء روح المواطنة لدى الفرد، من خلال منحه فرص العمل والتعاون، وإشراكه في صناعة واتخاد القرار.
- إعادة النظر في بنية العديد من المؤسسات من حيث التدبير والحكامة ، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
- ترسيخ قيم الديموقراطية والنزاهة لدى الفرد والجماعة .
- بناء برامج تنموية شاملة للنهوض بالبوادي والقرى.
- منح المجلس الأعلى للحسابات، السلطة التقريرية اللازمة، لمتابعة ملفات الفساد والمفسدين داخل وخارج المغرب .
Comments ( 0 )