تقرير رويترز 2025: تحول المغاربة نحو الأخبار الرقمية ومواطن الخلل لدى المتلقي

تقرير رويترز 2025: تحول المغاربة نحو الأخبار الرقمية ومواطن الخلل لدى المتلقي

 

 

 

أصدر معهد رويترز لدراسة الصحافة تقريره السنوي للأخبار الرقمية لعام 2025، وهو التقرير الذي يُعد مرجعًا عالميًا لفهم اتجاهات استهلاك الأخبار وتأثير المنصات الرقمية على المشهد الإعلامي. في سياق المغرب، كشف التقرير عن تحولات كبيرة في سلوك المتلقين، حيث يعتمد 78% من المغاربة على الإنترنت كمصدر رئيسي للأخبار، مع تفضيل واضح لمنصات الفيديو مثل يوتيوب (49%) وتيك توك (24%) على حساب المصادر التقليدية كالصحف الورقية والتلفزيون. هذا التحول يعكس ديناميكيات عالمية، لكنه يطرح أيضًا تحديات محلية تتعلق بجودة المعلومات وثقة الجمهور. في هذا المقال، نستعرض أبرز ملامح هذا التحول في المغرب، مع تسليط الضوء على مواطن الخلل لدى المتلقي وتحليل التحديات التي تواجه الصحافة الرقمية.

 

تحول المغاربة نحو المنصات الرقمية: الأرقام والدلالات

وفقًا لتقرير رويترز 2025، يبرز المغرب كواحد من أكبر مستهلكي الأخبار الرقمية في المنطقة، حيث يعتمد 49% من المغاربة على يوتيوب و47% على فيسبوك كمصادر أسبوعية للأخبار، تليهما إنستغرام (32%)، واتساب (30%)، وتيك توك (24%). هذه الأرقام تشير إلى هيمنة منصات التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو على استهلاك الأخبار، مع تراجع ملحوظ في الاعتماد على الصحف الورقية والتلفزيون التقليدي. على سبيل المثال، تفوق نسبة مستخدمي تيك توك كمصدر إخباري (24%) نظيرتها في منصة X (12%)، مما يعكس صعود منصات الفيديو القصير بين الشباب بشكل خاص.

 

هذا التحول ليس مجرد تغيير في الوسيلة، بل يعكس تغيرًا في نمط استهلاك الأخبار. يوتيوب وتيك توك، بطبيعتهما المرئية والتفاعلية، يقدمان محتوى سريعًا وجذابًا يتماشى مع تفضيلات الجمهور الأصغر سنًا (18-24 عامًا)، الذين يشكلون نسبة كبيرة من مستخدمي هذه المنصات. ومع ذلك، يطرح هذا الاعتماد المتزايد على المنصات الرقمية تساؤلات حول جودة المعلومات ومدى موثوقيتها، خاصة في ظل تراجع الثقة في المصادر التقليدية.

 

مواطن الخلل لدى المتلقي: تحديات الثقة والتضليل

على الرغم من الإقبال الكبير على المنصات الرقمية، يشير تقرير رويترز إلى أن هذا التحول يحمل في طياته تحديات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بثقة المتلقي وجودة المحتوى الإخباري. يمكن تلخيص مواطن الخلل لدى المتلقي المغربي في النقاط التالية:

 

1. انتشار المعلومات المضللة: يشير التقرير إلى أن منصات مثل تيك توك وفيسبوك تُعتبر من أكبر بؤر القلق بشأن المعلومات الزائفة. في المغرب، حيث يعتمد 24% من الأفراد على تيك توك للحصول على الأخبار، يصبح الجمهور عرضة لـ”نوبات منتظمة من المعلومات المضللة”، خاصة خلال الأزمات مثل جائحة كوفيد-19 أو الأحداث السياسية الكبرى. هذا الخلل ينبع من طبيعة هذه المنصات التي تعتمد على المحتوى الذي ينشئه المستخدمون أو المؤثرون، والذي غالبًا لا يخضع لمعايير تحريرية صارمة.

 

2. تراجع الثقة في المصادر التقليدية: يوضح التقرير أن الاعتماد المتزايد على المنصات الرقمية يترافق مع تراجع الثقة في المصادر الإخبارية التقليدية. في المغرب، أدى هذا التحول إلى تفضيل المحتوى الذي يقدمه المؤثرون والمدونون على حساب الصحفيين المحترفين. هذا التوجه يعكس إحساسًا عامًا بأن المؤسسات الإعلامية التقليدية قد لا تعكس اهتمامات الجمهور الأصغر سنًا أو قد تكون منحازة.

 

3. الإرهاق المعلوماتي: يعاني العديد من المتلقين من “التخمة المعلوماتية”، حيث يشعرون بالإرهاق بسبب كمية المحتوى المتاح على المنصات الرقمية. هذا الإرهاق يدفع البعض إلى تفضيل المحتوى الترفيهي أو السطحي على الأخبار الجادة، مما يقلل من فعالية المنصات الرقمية كأدوات لنقل المعلومات الموثوقة.

 

4. ضعف التفاعل مع الصحفيين المحترفين: يشير التقرير إلى أن الجمهور، خاصة الشباب، يميل إلى متابعة المؤثرين والمشاهير على تيك توك وإنستغرام أكثر من الصحفيين. هذا الخلل يعكس تحديًا كبيرًا أمام الصحفيين المحترفين الذين يكافحون لجذب الانتباه على هذه المنصات، حيث يهيمن المحتوى الترفيهي على المحتوى الإخباري.

 

التحديات أمام الصحافة الرقمية في المغرب

إلى جانب مواطن الخلل لدى المتلقي، يواجه المشهد الإعلامي في المغرب تحديات هيكلية تتعلق بتكيف المؤسسات الإعلامية مع هذا التحول الرقمي:

 

– الاعتماد على خوارزميات المنصات: تعتمد منصات مثل يوتيوب وتيك توك على خوارزميات تهدف إلى زيادة وقت المستخدم على المنصة، مما يعطي الأولوية للمحتوى الترفيهي على حساب الأخبار الجادة. هذا يجعل من الصعب على المؤسسات الإعلامية التنافس مع المؤثرين الذين يقدمون محتوى جذابًا وسريعًا.

 

– تراجع الإيرادات الإعلانية: مع تحول المنصات الكبرى مثل فيسبوك وX إلى تقليل التركيز على الأخبار، تواجه المؤسسات الإعلامية تحديات مالية في الحفاظ على جودة المحتوى. في المغرب، حيث تعتمد العديد من المواقع الإخبارية على الإعلانات، يشكل هذا التحول تهديدًا لاستدامتها.

 

– ضرورة بناء علاقات مباشرة مع الجمهور: يشير التقرير إلى أن المؤسسات الإعلامية بحاجة إلى تقليل اعتمادها على منصات التكنولوجيا الكبرى وبناء علاقات مباشرة مع الجمهور من خلال الاشتراكات الرقمية أو القنوات البديلة مثل واتساب. في المغرب، يمكن أن تلعب منصات مثل تليغرام، التي تشهد حضورًا متزايدًا بفضل خصائص التشفير، دورًا في تعزيز هذه العمل.

 

منظور أوسع:

يسلط تقرير رويترز 2025 الضوء على التحول السريع في المغرب نحو استهلاك الأخبار الرقمية، مع تفوق منصات مثل يوتيوب وتيك توك على المصادر التقليدية. لكن هذا التحول يحمل تحديات كبيرة تتمثل في انتشار المعلومات المضللة، تراجع الثقة في الصحافة التقليدية، والإرهاق المعلوماتي. إن مواجهة هذه التحديات تتطلب جهودًا مشتركة من المؤسسات الإعلامية، الصحفيين، والجمهور لتعزيز جودة المحتوى الإخباري وبناء ثقافة إعلامية أكثر وعيًا. في نهاية المطاف، تبقى الصحافة الوطنية، بمصداقيتها ومعاييرها الأخلاقية، العنصر الأساسي لضمان تقديم أخبار موثوقة في عصر رقمي متسارع.

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .