تقرير عن الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب يبرز التحديات البنيوية وآفاق التحولات

تقرير عن الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب يبرز التحديات البنيوية وآفاق التحولات

 

 

 

يشهد المغرب دينامية تنموية طموحة تهدف إلى تحديث البنية التحتية، تنويع الاقتصاد، تعزيز التعليم، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية. ومع ذلك، يظل إدماج الشباب اقتصاديًا واجتماعيًا تحديًا كبيرًا رغم الجهود المبذولة. حيث أبرزت آخر تقارير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ان الشباب الذين يمثلون ثروة وطنية ورافعة استراتيجية للتنمية، يواجهون عوائق بنيوية تحول دون استثمار طاقاتهم بشكل مثالي. يتناول هذا التقرير الوضعية الحالية لإدماج الشباب في المغرب، محددًا أبرز التحديات ومقترحًا رؤية لتعزيز دورهم كفاعلين في التنمية.الدينامية التنموية والإمكانات الشبابية.

 

و يكشف المجلس ان المغرب حقق تقدمًا ملحوظًا في عدة مجالات، من خلال إطلاق مشاريع مهيكلة وإصلاحات طموحة تهدف إلى تحسين جودة حياة السكان. تشمل هذه الجهود تحديث البنية التحتية، تنويع الاقتصاد، وتعزيز النظام التربوي، إلى جانب تعميم الحماية الاجتماعية. ورغم هذه الإنجازات، لم تؤتِ السياسات العمومية الموجهة للشباب النتائج المرجوة في إدماجهم اقتصاديًا واجتماعيًا. فالشباب، الذين يشكلون 16.1% من السكان (أعمار 15-24 سنة)، يواجهون تحديات كبيرة في الاندماج داخل سوق العمل والمجتمع، مما يولد شعورًا بالإحباط ويحد من فرصهم في الارتقاء الاجتماعي.

 

و عن التحديات البنيوية لإدماج الشباب، أشار التقرير الأخير أن المغرب حاليًا يمر بمرحلة استكمال انتقاله الديمغرافي، حيث تباطأ معدل النمو السكاني من 2.61% سنويًا (1971-1982) إلى 0.85% (2014-2024). ومع اقتراب إغلاق النافذة الديمغرافية بحلول 2040، يصبح استثمار الإمكانات الشبابية أولوية ملحة. ومع ذلك، يعاني الشباب من معدلات بطالة مرتفعة (36.7% للفئة العمرية 15-24 سنة في 2024)، إلى جانب نسبة مرتفعة من الشباب “NEET” (25.6% عمومًا و37% للنساء)، الذين لا يعملون ولا يدرسون ولا يتلقون تكوينًا. كما يستمر الهدر المدرسي وانتشار العمل غير المنظم، مما يحرم الشباب من دخل ثابت وحماية اجتماعية.تتفاقم هذه التحديات بسبب ضعف التنسيق بين السياسات العمومية في مجالات التعليم، التشغيل، والإدماج الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، يعاني 70.4% من الشباب العاطلين من بطالة طويلة الأمد، و73.4% لم يسبق لهم العمل، مما يعكس غياب جسور فعّالة بين التكوين والتشغيل. حتى الحاصلين على شهادات عليا يواجهون بطالة مرتفعة (61.2%)، ما يبرز التفاوت بين المؤهلات الأكاديمية والمهارات المطلوبة في سوق العمل. كما أن ضعف الثقة في مؤسسات الوساطة المهنية وتشتت البرامج (مثل أنابيك، فرصة، وأوراش، انطلاقة) يحد من فعاليتها.انعكاسات اجتماعية واقتصادية كثيرة يبرز تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي.

 

تؤدي هذه التحديات في مجملها إلى تداعيات خطيرة على التماسك الاجتماعي. فارتفاع معدلات البطالة، خاصة في المناطق الحضرية (48%)، وهشاشة العمل غير المنظم (41.9% من الشباب النشطين) تزيد من الإحباط، كما أشارت دراسة حديثة اجراها المجلس، حيث تم الكشف على أن الاحباط يدفع أكثر من نصف الشباب (55% من الفئة 18-29 سنة) إلى التفكير في الهجرة لأسباب اقتصادية أو دراسية. كما يتراجع انخراط الشباب في الحياة العامة والسياسية، نتيجة شعورهم بغياب التمثيلية وأزمة الثقة في المؤسسات. على الصعيد النفسي، ترتبط البطالة بارتفاع اضطرابات القلق والاكتئاب، مما يعرض الشباب للهشاشة ويزيد من تطلعهم للهجرة و هحرانهم الفضاءات العمومية. هذه التحديات تتراكم بوثيرة أشد على فئات محددة، حيث يواجه شباب المناطق القروية عقبات إضافية بحسب التقرير السنوي للمجلس، مثل البعد الجغرافي عن الأقطاب الاقتصادية، وارتفاع تكاليف النقل والإقامة، وضعف خدمات المواكبة. أما الشابات، فيعانين من قيود اجتماعية وتمييزية تحد من تنقلهن واستقلاليتهن الاقتصادية. كما أن تركز الفرص الاقتصادية في ثلاث جهات (58% من الناتج الداخلي) يعمق الفوارق الترابية ويغذي الهجرة الداخلية والخارجية.

 

آفاق التحول: إعادة التفكير في السياسات العمومية

يبرز المجلس الاقتصادي ان الاستجابة لهذه التحديات، يتطلب وضع الشباب في صلب السياسات العمومية، معتبرين إياهم فاعلين أساسيين وليس مجرد مستفيدين. و يتطلب ذلك من منظور المجلس اعتماد رؤية مندمجة تربط بين التعليم، التشغيل، والإدماج الاجتماعي، مع التركيز علىتعزيز التنسيق بين البرامج: توحيد البرامج الموجهة للشباب (مثل انطلاقة وفرصة) ضمن إطار استراتيجي موحد، مع تحسين جودة الدعم والتتبع.

 

سد الفجوة بين التكوين وسوق العمل: تطوير برامج تكوين تتماشى مع متطلبات سوق العمل، مع تعزيز دور الوساطة المهنية.

دعم ريادة الأعمال: تسهيل الولوج إلى التمويل، تسريع الإجراءات الإدارية، وتوفير مواكبة تقنية للشباب المقاولين.

معالجة الفوارق الترابية والجندرية: تعزيز الفرص في المناطق القروية ودعم الشابات من خلال تحسين النقل الآمن وتغيير الممارسات التمييزية.

تعزيز المشاركة المواطناتية: إشراك الشباب في الحياة العامة عبر منصات تمثيلية حقيقية لتعزيز ثقتهم في المؤسسات.

كما اعتبر رأي المجلس بهذا الخصوص ان إدماج الشباب اقتصاديًا واجتماعيًا ليس مجرد تحدٍ تنموي، بل ضرورة استراتيجية لضمان التماسك الاجتماعي والاستقرار. و يتطلب ذلك إعادة التفكير في السياسات العمومية لتكون أكثر شمولية واندماجًا، مع التركيز على تمكين الشباب كفاعلين في مسار التنمية. من خلال استثمار الإمكانات الشبابية بشكل مثالي، حيث يمكن للمغرب تحويل التحديات إلى فرص، محققًا تقدمًا مستدامًا يعكس تطلعات أجياله الشابة.

 

 

 

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .