حوار جريء في “بلا قيود” BBC: عز العرب أحاجي يدعو إلى عدالة حقيقية لمحاربة الفساد في المغرب
في حلقة مثيرة للاهتمام بثتها قناة بي بي سي عربي في برنامجها الشهير “بلا قيود” نهاية الأسبوع المنصرم، استضاف البرنامج السيد عز العرب أحاجي، رئيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية في المغرب. يُعد أحاجي شخصية بارزة في المشهد المدني المغربي، حيث يشغل منصبًا قياديًا في جهود مكافحة الفساد، وهو معروف بدوره في الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة والفساد، التي ساهمت في كشف العديد من الانتهاكات المالية العامة. الحلقة، التي قدمها الصحفي ناصر سلامه، تناولت قضايا حساسة تتعلق بالحوكمة، الشفافية، ودور المؤسسات في مواجهة الفساد، وسط سياق سياسي مغربي يشهد إصلاحات وتحديات متزايدة.
خلفية الضيف وأهمية الحوار
عز العرب أحاجي ليس مجرد مسؤول إداري؛ إنه ناشط مدني متمرس، يرأس هيئة وطنية أُنشئت بموجب الدستور المغربي لعام 2011، وتهدف إلى حماية الأموال العامة وتعزيز الشفافية في الإدارة. قبل توليه هذا المنصب، كان أحاجي نشيطًا في الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرانسي المغرب)، التي سجلت نجاحات في رفع دعاوى قضائية ضد مسؤولين فاسدين، مثل قضية الوزير السابق محمد مبدي، الذي حُكم عليه بالسجن بسبب مخالفات في التعاقدات العمومية. هذه الخلفية جعلت الحوار في “بلا قيود” فرصة نادرة لاستكشاف الواقع الميداني لمكافحة الفساد في المغرب، خاصة مع تصاعد الجدل حول مشروع قانون يقيد دور الجمعيات المدنية في رفع الدعاوى الجنائية المتعلقة بالأموال العامة.
برنامج “بلا قيود”، الذي يُبث أسبوعيًا على قناة بي بي سي عربي، معروف بحواراته الصريحة مع شخصيات مؤثرة من مختلف المجالات، دون قيود أو رقابة، مما يجعله منصة مثالية لمناقشة قضايا مثل الفساد التي تثير جدلاً واسعًا في العالم العربي. الحلقة هذه لم تكن استثناءً، إذ شهدت تفاعلًا حيًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أعرب آلاف المشاهدين عن إعجابهم بالجرأة في طرح الأسئلة.
أبرز النقاط بلا قيود: مسؤولية الحكومة أولاً
بدأ الحوار بتسليط الضوء على التحديات الرئيسية التي تواجه المغرب في مكافحة الفساد، حيث أكد أحاجي أن “لا يمكن محاربة الفساد إلا بتحقيق العدالة الحقيقية”. وأوضح أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الحكومة والبرلمان، مشيرًا إلى أن الهيئات المستقلة مثل هيئته تلعب دورًا تكميليًا في تفعيل آليات الحوكمة، لكنها لا تستطيع تعويض الإرادة السياسية. “الفساد ليس مجرد سرقة مالية، بل هو تآكل للثقة بين الدولة والمواطن”، قال أحاجي، مضيفًا أن التقارير الدولية، مثل مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، تُظهر تحسنًا طفيفًا في المغرب (حيث احتل المرتبة 73 عالميًا في 2024)، لكنه غير كافٍ لمواجهة التحديات الاقتصادية الحالية.
من أبرز اللحظات، مناقشة مخاوف البعض من “تزاوج المال والسلطة” في الانتخابات المغربية. رد أحاجي بأن عملية التصويت هي الضمان الرئيسي للنزاهة، لكنه شدد على دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في توعية الناخبين. “الأحزاب مسؤولة عن بناء ثقافة النزاهة، والمجتمع المدني يجب أن يكون صوتًا حارسًا”، أفاد، في إشارة إلى الجدل الدائر حول مشروع قانون 03.23، الذي يحد من صلاحيات الجمعيات في رفع الدعاوى، ويُرى كمحاولة لإضعاف الرقابة المدنية. أضاف أحاجي أن هذا المشروع، إذا تم تمريره، سيُضعف الجهود الوطنية، مستذكرًا نجاحات الجمعيات في إسقاط مسؤولين فاسدين في السنوات الأخيرة.
كما تناول الحوار دور الهيئة التي يرأسها أحاجي، التي أجرت تحقيقات في عشرات القضايا المتعلقة بالتعاقدات العمومية والإنفاق الحكومي. وفقًا لأحاجي، أدت الهيئة إلى إحالة أكثر من 20 قضية إلى القضاء في 2024 وحدها، مما أدى إلى تعويضات مالية بلغت ملايين الدراهم للخزينة العامة. ومع ذلك، حذر من أن “القانون الجنائي الجديد لم يصبح دستوريًا بعد”، مما يعيق التحقيقات في جرائم الفساد الكبرى.
ردود الفعل والتأثير الإعلامي
أثارت الحلقة تفاعلاً واسعًا على منصات التواصل، حيث شارك آلاف المغاربة آراءهم حول ضرورة تعزيز استقلالية الهيئات المضادة للفساد. بعض النشطاء رأوا في كلام أحاجي دعوة لإصلاح جذري، بينما انتقد آخرون بطء التنفيذ الحكومي. على يوتيوب، حيث بُثت الحلقة كاملة، تجاوزت المشاهدات 100 ألف في غضون أيام، مما يعكس الاهتمام الشعبي بالموضوع.
في سياق أوسع، يأتي هذا الحوار في وقت يشهد فيه المغرب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد (2015-2025)، التي أطلقتها الحكومة لتبسيط الإجراءات الإدارية ورقمنتها، لكنها واجهت انتقادات بسبب غياب الإرادة السياسية الكاملة. أحاجي، في ختام الحوار، دعا إلى “شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع”، مؤكدًا أن الفساد ليس قدرًا، بل مشكلة يمكن حلها بالعدالة والشفافية.
هذا الحوار لم يكن مجرد نقاش إعلامي، بل خطوة نحو تعزيز الوعي العام بأهمية مكافحة الفساد كأداة للتنمية المستدامة في المغرب. يمكن مشاهدة الحلقة كاملة على موقع بي بي سي عربي أو قناتها على يوتيوب، ليستمتع الجمهور بتفاصيل أعمق لهذه المناقشة الجريئة.
Comments ( 0 )