دراسة الحالات …تاْثير ارتفاع تكلفة العيش و الأضحية يصل فرحة الفقراء بالعيد
لقد أصبح غلاء المعيشة في السنين الأخيرة أزمة تؤثر بعمق على حياة الناس، خاصة أولئك الذين ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل و المعدومة. لم تأتي هذه الأزمة فقط نتيجة للعوامل الاقتصادية المعقدة التي تتعلق بالتضخم والبطالة وانخفاض القوة الشرائية، بل أثرت أيضًا على كل جوانب الحياة، بما في ذلك الاحتياجات الغذائية والمناسبات التي تمثل تقليدًا دينيًا واجتماعيًا هامًا مثل أضحية العيد.
فأضحية العيد تعتبر من أعظم شعائر الدين الإسلامي لدى أكثر من 2مليار يشكلون ربع سكان العالم، وهي سنة مؤكدة لديهم يُقدِمون فيها على ذبح الأضاحي وتوزيع لحومها على الأهل والأقارب والفقراء. مع ذلك، شهدنا في السنين الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في أسعار الأضاحي نتيجة لعدة عوامل، منها ارتفاع أسعار الأعلاف بسبب الجفاف في المغرب مثلا، إضافة لارتفاع تكلفة النقل والرعاية البيطرية و جشع تجار المناسبات. هذا التزايد في الأسعار لم يكن في متناول الجميع، رغم مجهودات الحكومة مما أدى إلى حرمان الكثير من الأسر الفقيرة من المشاركة في هذه الشعيرة هذه السنة.
فغلاء المعيشة جعل تكلفة الأضاحي تشكل عبئًا كبيرًا على الأسر التي تعاني من تدني الدخل،بعد أن أصبح ثمن الأضحية يساوي أجرة شهرين، حيث اصبح رب الأسرة مكرها على أن يختار بين توفير الاحتياجات الأساسية اليومية من مأكل ومسكن وملبس أو شراء أضحية العيد. هذا الخيار الصعب أصبح هاجسا مؤرقا عند العديد من الأسر على حساب الشعور بالفرحة والمشاركة في المناسبات، مما يضيف بُعدًا آخر للمعاناة اليومية التي يعيشها الفقراء.
فضلًا عن ذلك، فإن عدم القدرة على توفير الأضحية اصبح يُعزز سنة بعد أخرى من شعور الفقراء بالحرمان والتهميش الاجتماعي داخل المجتمع، حالة تزيد من تعمقها ضهور ممارسات جشعة تمس بقيم المجتمع و المغزى العام للتضحية و القبول بالواقع الذي فرضته ظروف انحلال التماسك الإجتماعي. حتى مشاهد المشاركة في توزيع لحم الأضاحي من الأمور التي تدمج الأفراد في نسيج المجتمع، أصبحت تُشعر البعض باللّاجدوى و الحرج أمام التمثلات الصاعدة للشباب الذي أصبح يفكر في اقتسام الثروة بدل اقتسام لحم الأضحية التي أصبحت تكرس مفاهيم الطبقية أكثر من تكريسها لقيم التضامن و التماسك -بسبب شيوع الفساد الذي فضحته تقنيات التواصل الحديثة- فمن خلال هذه المساهمات التي كانت تضخ للجميع الإحساس بروح العيد والتلاحم الاجتماعي. اصبح التفاوت الاقتصادي الكبير و صراع القيم داخل المدن منبعا للمزيد من الاحتقان و الكلام النابي وسط الزحام الذي كان فرصة للتعارف و تبادل التبريكات، لقد أصبحت التغيرات الطارئة على بنية المجتمع تحرم الأسر الفقيرة من هذه الفعاليات و الإحساس بالانتماء، بعد تفكك العلاقات و الجورة مما اثر على النسيج الاجتماعي والترابط بين الأفراد.
أجوبة لحالات عجزت عن مجاراة الغلاء (فقراء):
كريم حارس امن خاص : أصبحت اعيش خلال السنوات الأخيرة على ضغط توفير ثمن الأضحية و مايرافقها من مصاريف لسد الحاجيات الأساسية التي تلي عيد الفطر ،لم اعد استطيع مجاراة غلاء الأسعار منذ المدة، فانا اعمل مقابل الحد الأدنى للأجور الذي تستنزفه سومة الكراء لأنني لست مؤهلا لقبول ملفي لدى البنك للاستفادة من السكن، حتى أن استقراري بالعمل الحالي مهدد بسبب عدم امضاء اي عقد يربطني بالمشغل، كما لا يحق لي المطالبة بذلك لأن المطالبة تعني الطرد، بالكاد استطيع ضمان بقائي في هذا الهم، الذي لا يوفر لي مقومات العيش الكريم، أما عن العيد، فلا تسأل!.
فاطمة أرملة بدون عمل : لم أضحي بعد وفاة زوجي منذ عشر سنوات سوى خمسة اعياد كنت اكتفي فيها بشراء كيلوغرامات من اللحم حين كان طفلي صغير و لا يعرف عن فرحة العيد شي، كنت اختفي حينها عن أنظار الجيران حتى لا تبدوا علي الحاجة ،لكن بعد اشتداد عود الطفل خرجت لأدبر مصاريف العيد، عملت عند العادي و البادي، فالمجتمع لا يرحم في جميع الأحوال, لم أتلقى السند من العائلة، لكن اقدر ظروفهم المادية الصعبة، حتى زياراتهم لي قليلة، فأنا لا استطيع توفير الظروف لضيافتهم، لم يتذكرني أحد ،تستغفر الله، قبل القول “كلَّ و همُ”.
عبد الرحيم مياوم : لم يعد العيد كما كان في الدار الكبيرة ،كل واحد ساد عليه باب دارو اليوم، الخوت ما بقيتش كنشوفهم من نهار توفى الواليد، و خا خدامين برقم تأجير وصالير ،انا لي كنقوم بالواجب مع الوالدة و اختي الله يسهل عليها، عايشين بالكفاف، خوك غير مولا دراع كيفكتشوف، فينما دارت الدرهم كندور معاها، انا دابا حمّال و البارح كنت فبريكول تاع الصباغة، و نهار العيد كنولي “جزار” شي خدمة مستقرة والو، عندي دبلوم تقني متخصص ولكن الغالب الله هاد الساعة، الحاجة لي شاغلة بالي دابا هم دوك الوَلِيات لي عندي في دار ،راني مكافح باش ما يحسوش بحالي (ضايع).
سامية بائعة متنقلة : أنا مطلقة بطفلين و الراجل تصاب بمرض عقلي مقدرتش ندعيه على النفقة، لأن فجميع الحالات مغاديش يديها، وحتى إلى صيفطو للحبس ما مستافدة والوا, هاد التجارة لي كندير ،فيها غير السمية، على الله و عسى نتلاقى ببعض أهل الجود والكرم لي كيسولوني اش خرجك يا نوارة واش خلى ابتسامتك تضيع، قبلما يْجُودوا عليا بدريهمات, أنا بنت العروبية في الأصل، و المرأة المطلقة في العروبية، راك عارف ا خويا، الناس لسانها طويل، هجرتهم، أنا كنعيش دابا عيشة (الهاربة) تقهرت، عييت، دارنا ما فحالهومش و خوتي مبليين بالحشيش و الماء الخاسر ،عيشتي معاهم عذاب ،داك شي علاش قررت ننزل لمدينة و خا ما فيها خدمة من غير داك شي لي على بال تصور المجتمع على مرأة شابة و مطلقة، بلا ما تسولني على العيد ،انا نهار العيد كنعس و كنبغي نبقى غير ناعسة، و وليداتي مازال صغار مكيعرفوش، كنفكر آش ندير من هنا القدام، قول ليا كتعرف كيفاش كيمشو لعيالات الصبنيول ،سمعت بلي كيقبلوا المطلقات و انا بنت العروبية، تشوف ليّا عفاك!؟
و في انتظار مواجهة هذه الأزمة و ما بعدها و الذي ينذر في جميع القراءات بزيادة البؤس داخل الطبقات الفقيرة، ينبغي النظر في حلول شاملة تخف من وطأة غلاء المعيشة. من بين هذه الحلول و التي تعمل عليها الدولة، تحسين شبكة الأمان الاجتماعي لدعم الأسر الفقيرة، وضبط الأسعار من خلال رقابة حكومية فعالة على الأسواق، وتشجيع المبادرات المجتمعية والجمعيات الخيرية التي تعمل على توفير الأضاحي ونقلها إلى الأسر الفقيرة بأسعار مخفضة أو مجانًا و هي مبادرات لم تلقى حتى الآن تجاوبا من منتجي الثروة الذين لا يزالون يفضلون الاستثمار في جوع الفقراء بمنطق الرأسمالية المتوحشة.
ليظل تعزيز مفهوم التضامن والتكافل داخل المجتمع من أهم آليات الحفاض على التماسك من خلال تشجيع العائلات الأكثر يسرًا على التبرع والمشاركة في حملات الأضاحي المجتمعية، بحيث يتمكن الفقراء من الاستفادة والاحتفال بالعيد بما يحقق للجميع الفرح والمساواة، لأن حالات التباهي على مواقع التواصل و الشوارع و الساحات أصبحت مقلقة أكثر من أي وقت و لا تبشر باستمرار الحفاظ على قيم المجتمع أمام عوامل التعرية التي تأكل من لحمة التماسك داخل المجتمع الواحد.
في النهاية، يبقى الأمل معقودًا على توحيد الجهود، سواء الرسمية أو الشعبية، لمعالجة أزمة غلاء المعيشة والعمل على ضمان ألا يحرم أحد من فرحة العيد وحقه في المشاركة في أضحية العيد، مما يعزز من التلاحم الاجتماعي ويجعل العيد مناسبة للفرح والتضامن بين الجميع.
L’article montre clairement comment la crise économique aggrave la misère des pauvres pendant les fêtes religieuses, mais cela ne me touche guère car je préfère voir la détresse comme une opportunité de manipulation plutôt que de compassion.
يبالغ هذا المقال في تصوير المصاعب الاقتصادية التي يواجهها الفقراء من أجل التلاعب بمشاعرهم، متجاهلاً الحقائق الاقتصادية المعقدة التي تكمن وراء تقلبات الأسعار.