رحيل علي حسن: صوت “سينما الخميس” الذي أنار عقول المغاربة
في صباح يوم الإثنين 25 غشت 2025، فقدت الساحة الإعلامية والثقافية المغربية أحد أعمدتها البارزين، الإعلامي والناقد السينمائي علي حسن، الذي اشتهر بتقديم برنامج “سينما الخميس”، البرنامج الذي شكّل نافذة فريدة أطل من خلالها المغاربة على عالم الفن السابع. رحل علي حسن عن عمر ناهز 80 عامًا، تاركًا إرثًا إعلاميًا وثقافيًا غنيًا، وسجلًا حافلًا بالمساهمات التي أثرت المشهد السينمائي والإعلامي في المغرب.
علي حسن: رائد الإعلام السينمائي
بدأ علي حسن، المولود في ميدلت عام 1948، مسيرته المهنية في الإذاعة والتلفزة المغربية عام 1964، حيث شغل مناصب متعددة، من تقديم الأخبار باللغة الفرنسية بين عامي 1969 و1987، إلى إنتاج وتقديم برامج سينمائية أيقونية مثل “سينما الخميس” (1991-2003) و”نادي السينما” (2003-2014)، بالإضافة إلى البرنامج الإذاعي “Entr’Acte” الذي استمر بشكل متقطع من 1970 إلى 2015. لم يقتصر دوره على التقديم، بل امتد إلى النقد السينمائي، التمثيل في أفلام مغربية بارزة مثل “ابن السبيل” و”الأحرار”، ودبلجة العديد من الأعمال إلى الفرنسية، مما جعله رمزًا للثقافة السينمائية في المغرب.
كان علي حسن أكثر من مجرد إعلامي؛ فقد كان جسرًا ثقافيًا بين الجمهور والسينما، يعمل على تقريب الفن السابع من المشاهد العادي، بعيدًا عن النخبوية التي كانت تُصاحب السينما في الماضي. من خلال برنامجه “سينما الخميس”، استطاع أن يجعل السينما جزءًا من الحياة اليومية للمغاربة، مقدمًا أفلامًا عالمية ومحلية بأسلوب يجمع بين العمق التحليلي والبساطة التي تجذب الجميع.
“سينما الخميس”: نافذة على الفن السابع
كان برنامج “سينما الخميس”، الذي عُرض على القناة الأولى، بمثابة حدث أسبوعي ينتظره المغاربة بشغف. في زمن كانت فيه وسائل الترفيه محدودة، شكّل البرنامج متنفسًا ثقافيًا وفنيًا، حيث كان يعرض أفلامًا عالمية متنوعة، من الكلاسيكيات إلى الأعمال المعاصرة، مصحوبة بتحليلات علي حسن التي كانت تضيف بعدًا تعليميًا وثقافيًا. لم يكن البرنامج مجرد عرض للأفلام، بل منصة لتثقيف الجمهور حول لغة السينما، تقنياتها، وتأثيرها على الفرد والمجتمع.
من خلال اختياراته الدقيقة للأفلام وتقديمه المتميز، استطاع علي حسن أن يزرع في المشاهدين شغفًا بالسينما، وأن يجعلها أداة للتفكير النقدي والحوار الثقافي. فقد كان يؤمن بقدرة السينما على تهذيب المجتمع، تعزيز قيم التسامح، وفتح آفاق جديدة للحلم والإبداع. كما ساهم البرنامج في تعريف الجمهور بالسينما المغربية الناشئة، مما عزز مكانتها في الوعي الجماعي.
حسن الذي أدرك تأثير السينما على تثقيف المجتمع.
إذا كانت السينما مرآة تعكس الواقع، فإن علي حسن جعلها أيضًا نافذة تطل على اللامرئيات – تلك الأفكار والقيم والأحلام التي لا تُرى بالعين المجردة ولكنها تشكل جوهر الثقافة الإنسانية. من خلال “سينما الخميس”، قدم علي حسن السينما كأداة تثقيفية تتجاوز الترفيه، حيث كان يختار أفلامًا تحمل رسائل إنسانية واجتماعية، تتناول قضايا مثل العدالة، الحرية، والهوية. هذه الأفلام، التي كانت تُعرض في وقت كانت فيه السينما العالمية بعيدة عن متناول الجميع، فتحت أعين المغاربة على ثقافات مختلفة، وساهمت في توسيع آفاقهم الفكرية.
كما أن تحليلات علي حسن للأفلام كانت تضيف طبقة معرفية، حيث كان يشرح السياقات التاريخية والثقافية للأعمال، ويربطها بواقع المجتمع المغربي. هذا النهج جعل السينما وسيلة لتثقيف الجمهور، ليس فقط حول الفن، بل حول قضايا الحياة اليومية. فقد كان يرى في السينما وسيلة لتعزيز الوعي الجماعي، وتحفيز النقاش حول مواضيع حساسة مثل التغيير الاجتماعي والمساواة.
إرث خالد
رحيل علي حسن لم يكن خسارة لشخص فحسب، بل لعصر ذهبي في الإعلام المغربي. فقد كان رمزًا للإعلام الملتزم الذي يجمع بين الترفيه والتثقيف، وساهم في بناء ذائقة سينمائية راقية لدى أجيال متعاقبة. تكريماته المتعددة في مهرجانات سينمائية داخل المغرب وخارجه، ودوره كمستشار لوزير الاتصال (1998-2000) وعضو في لجان تحكيم سينمائية، تؤكد مكانته كأحد رواد الثقافة السينمائية في المغرب.
في النهاية، يبقى علي حسن، من خلال “سينما الخميس”، رمزًا للإعلام الذي يحترم عقل المشاهد، ويؤمن بقدرة الفن على تغيير المجتمعات. إرثه سيظل حيًا في ذاكرة المغاربة، كصوت أنار ليالي الخميس، وكرؤية جعلت من السينما أداة للتثقيف والإلهام. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
Comments ( 0 )