صايلة الصغيرة ..

صايلة الصغيرة ..

 

 

 

تخيّل أن تكون لك صديقة تعاود الإتصال بك بعد سنوات، افترقنا في المراهقة بعد صداقة عذبة كنا نتبادل فيها حكايات الشقاوة التي كنا نقترفها مع ولاد الفشوش، بعد استدراجهم ناحية البحر المحيط، كانت صايلة، هذه الصديقة العجيبة التي لم أرها منذ السنة الأولى ثانوي، خفيفة الظل، اتذكر كل تفاصيل وجهها الطفولي، و شقاوتها، حكايتها مع قسم الشرطة ،حكاياتها مع صديقنا المشترك البارع في رسم التفاصيل بقلم الرصاص، صديقها الذي وقعت معه أكثر من مرة في سيارة الشرطة التي كانت تنقلهم من ضواحي المدينة حيث يتبادلون رؤيتهم للمخفر، وما ادراك ما الثانوية، هي صايلة لم يكن جسدها متاحاً لأحد، تحكي لي كيف كانت تتعرض للمضايقات بكل سخرية حين يتم ضبطها كشخص مخل بالحياء من الفضاءات المفتوحة.

 

آش خبارك!؟

 

حصلت على رقمك أخيرا ، ماذا تعمل ايها الجِنّي، أنا اتذكر تفاصيل كل الأحاديث, كل التفاصيل حتى حينما حاولت أن تستغل ضعفي في لحظة الجنون، حين حاولت إعادة تكوير نهدي ايها الجريء. أين حطت بك الرحال، أنا متأكدة أنك لم تغادر! تُوثِّق ! اكيد لا زلت واثقاً! باب الله لا يوصد!

 

لن اسألك اين حطت بك الرحال صايلة، لا أصدق! لم اسمع إسمك منذ فراقنا بالثانوي يا دينار! ،تَرسمين ؟ لا تزالين مع خواطرك المكتوبة ؟ لا تزالين تمارسين الإغراء المُفتعل ؟ تربية الأطفال ؟ ترويض الشعراء ؟

 

بصوتها الأنثوي : لازلت تتذكر ذاك الشاعر المُعجب بي لو كان جرئ ً لما طلب مِنك توصيل ابياتهِ لي ،لم احبه رغم صدق شعره لانه يفتقد للشجاعة و النظر في عيني!

 

عيناك ؟ و من يجرؤ!

ماذا تعملين ؟ أيتها الحرة!

 

لازِلتُ على ما يرام، لقد عدت للعمل الذي أفضله و بدلًا من أن أحصل على راتب مقابل هذا العمل، يُطلب مني الآن الدفع للشركة نظير إتاحتهم الفرصة للعمل معهم! هذا بالضبط ما افعله، غريب لاكنه مُمتع.

 

في مدينةٍ تعجّ بالحياة، وفي زمنٍ تتسارع فيه الخطوات، لا يقين! هو الشعور السائد! أصبحت اكثر طموح وذات همّةٍ عالية. ياشامة! هههه لم اعد اسعى وراء الثروة، بل وراء هدفٍ أسمى: الحرية ،لقد أصبحت مواعيدي صدفة اللقاء يا شامة أيها الشمشون.

 

لقد جربت كل وظيفةٍ مملةٍ، روتينِيّةٍ، تَسلب الطاقة والإبداع. لكني الآن ألاحظ شيئًا غريبًا: بعضُ النظراتِ المُريبة والمتسلّلة تلاحقني، نظراتٌ تحمل في طياتها الخوف والغيرة، نظرات من أشخاصٍ ينتمون إلى “النخبة” طبقةٌ اجتماعيةٌ مُغلقةٌ تُسيطر على المدينة.

 

رأيت فرصةً. تقدمت لوظيفةٍ أخرى، ليست ذات أجرٍ مُغري، بل هي وظيفةٌ تُمثّل لي “حصان طروادة”. وظيفةٌ في مؤسسة تُعنى بالفنون، تبدو بسيطةً، لكنها من موقعٍ إستراتيجيٍّ يُمكّنني من مراقبةِ تحركاتِهم، وفهم آلياتِ عملهم، وحتى التأثير عليهم.

 

ليس عملا جديداً و لا سهلاً، فقد تواجه تحدياتٍ كبيرة، لكن إن استخدمت ذكاءك ومهاراتك لتتسلل إلى قلوبِهم ، و فهمت أهدافهم، وسياساتهم، وخُططهم، ستخطط بدورك لتغيير النظرات من المحاجر.

 

أيها…عندي لك اسماء كثير، لكن..، لكن لن أنسى اسمك ايها الحرِّيف المخادع، جعلتني اتحدث اكثر ن اللزوم، تُناضل من أجل المال، أم من أجل الحرية كعادتك، حرية التفكير، حرية التعبير، حرية الخروج من القيودِ التي تُقيّد المجتمع. انا لازلت استخدم صولاتي كمنصة لتُلهم الآخرين، لأشجّعهم على التفكير بشكلٍ ناقد، ولتكسير حواجزَ الخوف.

 

طيري كالفراشة إلسعي كالنحلة فالنحل الطنان إنفرد وسكن الجبال يا صايلة.

 

انتهت المكالمة

 

لم تكن تُنتهي رِحلتها للتعلم داخل أسوار المدرسة ، تراقب دون أن تكلف عينيها الواسعتين النظر إليك ،تَضحك بتهكُم، بسُخرية، بِرُشد و لم تتجاوز حينها السابعة عشرة، لم يرُقها رؤيتي لها بالمِقشدة، قبل أن تُدرِكني، لم أعرف لها أبوين ولا إخوة ،غامضة ،ساحرة و مثيرة ،اسنانها كالمِشط، شعرها خفيف أشقر، أحرُ من الجمر، و تعمل الآن دون أجر، أينكِ أيتها الجليلة !؟

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .