صـوت الـ ULTRAS يُعبّر عن نُصرة قضايا البيئة في آسفي وقابس

صـوت الـ ULTRAS يُعبّر عن نُصرة قضايا البيئة في آسفي وقابس

 

 

 

 

في المغرب حيث اصبح نبض كرة القدم يتسارع مع نبض الحياة اليومية، أصبحت الملاعب فضاءً، ليس فقط للشغف الرياضي، بل للتعبير و النضال الإنساني. يوم 18 أكتوبر 2025، خلال مباراة كأس الكونفدرالية الأفريقية بين أولمبيك آسفي ونادي الملعب التونسي، تجسد هذا الشغف في لحظة تضامن نادرة. رفع جمهور أولمبيك آسفي، ممثلًا في مجموعة “ألتراس شارك”، لافتة عملاقة تحمل رسالة مؤثرة: “آسفي وقابس فنفس الهموم” أمام المدرجات التي استقبلت الجماهير التونسية التي كانت تحمل تتمة الرسالة “خنقتوهم بالدخان والسموم”. كانت هذه اللافتة، أو التيفو كما يُعرف في لغة الجماهير، أكثر من مجرد عرض بصري؛ بل نداء مشترك ضد التلوث البيئي الذي يخنق مدينتين شقيقتين على شواطئ المغرب العربي، مدينتين تتنفسان نفس الآلام وتطالبان بحق الحياة النظيفة.

 

آسفي: مدينة المركب الكيماوي التابع لشركة الفوسفاط OCP ، المدينة المغربية الساحلية الغنية بتراثها التاريخي والثقافي، تحولت إلى رمز للمعاناة البيئية اليومية بسبب صناعاتها الكيميائية والفوسفاطية. منذ عقود، تُفرز مصانع المدينة -التي انظافت اليها محطة حرارية ضخمة- غازات سامة ونفايات تلوث الهواء والبحر والأرض. حساسية مفرطة عند الأطفال، أمراض تنفسية، وسرطانات متزايدة؛ هذا هو الثمن الذي يدفعه سكان آسفي يوميًا نتيجة سوء الجوار مع هذه المصانع العملاقة. وفقًا لتقارير منظمات بيئية مثل “أطاك المغرب” “Greenpeace MENA” ، أدى التلوث إلى تدهور صحي ملحوظ، مع حالات اختناق جماعي وفقدان التنوع البيولوجي في شواطئها. الجماهير في آسفي، الذين يحجّون لملعب المسيرة الخضراء كل أسبوع بشعاراتهم الرياضية، وجدوا في “ألتراس شارك” صوتًا للدفاع عن بيئتهم. هؤلاء الشباب، الذين يُعرفون بولائهم الشديد لناديهم OCS، لم يترددوا في تحويل شغفهم إلى مطالب إجتماعية بيئية و اقتصادية، مؤكدين أن “كرامة الإنسان أولوية”، كما يقولون في بياناتهم.

 

قابس المسمومة على الجانب التونسي من المتوسط، تكرر سيناريو آسفي بألوان أكثر قتامة. مدينة قابس، الواحة الوحيدة على الساحل المتوسطي، أصبحت “شاطئ الموت” بسبب مجمعها الكيميائي التابع لمجموعة “سي جي تي”، الذي يفرز آلاف الأطنان من النفايات الفوسفاتية يوميًا. في أكتوبر 2025، شهدت المدينة احتجاجات عارمة، حيث خرج آلاف السكان في مسيرات هائلة، مرددين “نريد أن نعيش” و”قابس تستغيث”. أكثر من 120 شخصًا أُدخلوا المستشفيات بسبب الاختناقات الناتجة عن الغازات السامة، وفقًا لتقارير “رويترز” و”الجزيرة” . الرئيس قيس سعيد وصف الوضع بـ”الاغتيال البيئي”، لكن الاحتجاجات استمرت، مدعومة بحراك “ستوب بليوشن” الذي يطالب بتفكيك الوحدات الملوثة منذ 2017. هنا، برزت مجموعات الألتراس التونسية كقوة نضالية، مستخدمة الملاعب للتعبير عن قضايا بيئية، كما في حالة ألتراس الملعب التونسي الذين يشاركون في الاحتجاجات ضد “سياسات السموم” التي تحول المدينة إلى “مختبر كيميائي” على حساب الصحة العامة.

 

وعي بيئي يجد الاحتضان في التضامن الرياضي، جسر بين الهموم المشتركة في ملعب المسيرة الخضراء، حيث لم تكن المباراة مجرد مواجهة رياضية؛ بل كانت فرصة للتواصل عبر الحدود. رفع “ألتراس شارك” اللافتة أمام عيون الجماهير التونسية، الذين تفاعلوا بحرارة، ما عكس عمق التضامن بين الشعبين المغاربيين. كما أن مجموعة ألتراس شارك ردت بتقديم المياه للجماهير التونسية، في لفتة ترحيبية تعبر عن “الكرم والترحاب” الذي يميز كرة القدم المغاربية. هذا التفاعل ليس جديدًا؛ ففي تونس، استخدم الألتراس الملاعب للاحتجاج ضد التلوث في قابس منذ سنوات، حيث أصبحت المدرجات “مساحة للمقاومة” ضد الإهمال الحكومي. أما في المغرب، فإن ألتراس الشارك فاميلي، المعروفين بإبداعهم في التيفوهات، حوّلوا شغفهم الرياضي إلى صوت سياسي ينتقد صحافة التضليل و سياسة المفسدين المُطبعين مع أمراض المجتمع، مشددين على أن موقفهم “إنساني قبل كل اعتبار”.هذا التضامن تجاوز الملاعب؛ و أصبح يذكر بقوة الجماهير في تغيير الواقع. من الاحتجاجات في قابس، التي شهدت تدخل الشرطة بالغاز المسيل للدموع، إلى ندوات آسفي التي تطالب بالكشف عن جودة الهواء بمحيط المحطة الحرارية، يبرز الاتحاد بين الرياضيين والناشطين كقوة دافعة للضغط على السلطات. في زمن يُقدّر فيه الدرهم والدينار على حساب الصحة، يأتي صوت الألتراس ليؤكد: نداء حياة ضد من استهانوا بصحة السكان.

 

نحو مستقبل أنظف. نداء الدعوة للعمل و التضامن بين ألتراس آسفي وجماهير الملعب التونسي ليس حدثًا عابرًا؛ إنه بداية لجسر يربط بين المدن، يدعو إلى تنسيق إقليمي لمكافحة التلوث. اليوم، مع تصاعد الاحتجاجات في قابس واستمرار الضغط في آسفي، يجب على الحكومات الضغط بصلاحياتها،على الوحدات الملوثة، و الدفع بالاستثمار في الطاقة النظيفة، وتعويض المتضررين.

 

كما قالت حملة “أوقفوا التلوث”، “الشارع يتحرك ويناضل منذ سنوات”، والجماهير الرياضية جزء أصيل من هذا النضال.

 

منظور أوسع:

 

إذا كانت الملاعب تعج بالأصوات المتعالية دفاعًا عن الفرق، فلم لا تكون صوتًا مشتركًا للدفاع عن القضايا البيئية ؟ آسفي وقابس ليستا وحدتين للصناعة؛ إنهما قصة واحدة عن مدن ترفض أن تكون ضحايا للطمع الصناعي. ومع ألتراس شارك وإخوانهم التونسيين، يتعالى السؤال: متى تنتصر قضايا البيئة على السموم؟

الإجابة في أيدينا جميعًا، في الملاعب وخارجها.

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .