صورة المرأة على الشاشات : أزمة ديمغرافية وتحديات التغيير المجتمعي

صورة المرأة على الشاشات : أزمة ديمغرافية وتحديات التغيير المجتمعي

 

 

 

يواجه المجتمع المغربي تحولات عميقة تعيد تشكيل قيمه وهويته، حيث تبرز أزمة ديمغرافية مقلقة تمثلت في إحصائية المرصد الوطني التي كشفت عن وجود 3.5 مليون امرأة عازبة تجاوزن سن الثلاثين. هذا الرقم، المرصود أيضا عبر مشاهدات ميدانية ومتابعة دقيقة للواقع الاجتماعي، يعكس تحديات متشابكة: ارتفاع تكاليف المعيشة، تفكك أسري، تراجع القيم التقليدية لصالح قيم دخيلة، وتفشي خطاب “إعلامي” سطحي يستغل هذه الظواهر لتعميق الانقسامات بدلاً من تقديم حلول بناءة.

 

من منظور علم الاجتماع، يرى الدكتور محمد اليوبي، عالم الاجتماع المغربي، أن ارتفاع نسبة العزوبة يعكس تحولات ما بعد الحداثة التي أعادت تعريف الأدوار الجندرية. النساء اليوم يسعين إلى تحقيق الذات في مجالات التعليم والعمل، لكنهن يواجهن ضغوطًا اقتصادية وثقافية تحد من خياراتهن. ويضيف اليوبي: “إن غياب حوار مجتمعي يشارك فيه الشباب والخبراء يعيق فهمنا لهذه الظاهرة، ويترك المجال للصحافة الصفراء لاستغلالها تجاريًا”.

في هذا السياق، تسعى الحكومة عبر خطة “إكرام” إلى تحسين صورة المرأة من خلال المرصد الوطني لصورة المرأة في الإعلام، الذي أُحدث عام 2013 لرصد التمثيل الإعلامي للمرأة. لكن، هل هذه الجهود كافية في ظل انتشار محتوى رقمي مسيء على منصات مثل تيك توك وفيسبوك؟ فيديوهات الذكاء الاصطناعي والخطابات التي تستغل قضايا الطلاق والهشاشة الاجتماعية تكرس صورًا نمطية، وتعزز التفكك بدلاً من التماسك. كيف يمكن للمرصد مواجهة هذا التسيب الرقمي؟ وهل يمتلك أدوات كافية لتغيير الخطاب الإعلامي؟

 

تستلهم رؤية فاطمة المرنيسي، عالمة الاجتماع المغربية، نهجًا إنسانيًا يدعو إلى إعادة تعريف الجندر بعيدًا عن ثنائيات القوة والخضوع. تقول المرنيسي التي رحلت عنا الى دار البقاء: “الرجولة ليست سطوة، بل حنان وشراكة”. هذا الطرح يدعو إلى خطاب تربوي جديد يحرر الرجل والمرأة من الأدوار المقولبة، لكن تحقيقه يتطلب إشراك الشباب في نقاشات حول دورهم في بناء مجتمع متماسك. فهل يستطيع الشباب المغربي، وسط هذا الانقسام القيمي، تبني رؤية تجمع بين الحداثة والأصالة؟

 

التحديات كبيرة: من تفكك الأسرة إلى انعدام حوار عقلاني يشارك فيه علماء الاجتماع، إلى استغلال إعلامي يحول الأزمات إلى مادة تجارية. الحلول المجتمعية تتطلب تعاونًا بين الحكومة، المجتمع المدني، والشباب لإعادة صياغة خطاب إعلامي مسؤول، وتعزيز سياسات تدعم المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا. فهل يمكن للمغرب أن يبني فضاءً أخلاقيًا يحترم كرامة الجميع، مستلهمًا رؤى المرنيسي وطاقات شبابه؟

 

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .