ضرورة أم كمالية..العلاقات الإجتماعية بين الواقع و المواقع في المجتمع المغربي
لقد أصبح السؤال حول طبيعة العلاقات الاجتماعية – هل هي كمالية أم ضرورة؟ – محط نقاش حاد في ظل التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، حيث يتعرض التماسك الاجتماعي لتهديدات متزايدة بفعل العزلة الناتجة عن ظروف اجتماعية و اقتصادية متغيرة وتأثير التكنولوجيا. ففي الوقت الذي كان يُتوقع أن تُنهي وسائل التواصل الاجتماعي عصر الوحدة بفضل سهولة الربط بين الأفراد، حدث العكس؛ إذ انسحب الكثيرون إلى دوائر ضيقة من العزلة، وتراجع الاهتمام ببناء علاقات حقيقية رغم أن الحاجة إليها تبقى ملحة كالحاجة إلى الغذاء.
ضرورة العلاقات الاجتماعية: بين العلم والفلسفة
من منظور علمي، تؤكد دراسة أجرتها جامعة هارفارد مؤخراً على الفئران أن العزلة تُعامَل في الدماغ بنفس آليات معالجة الجوع أو العطش، مما يشير إلى أن التواصل الاجتماعي ليس ترفًا بل ضرورة بيولوجية. فقد كشفت الدراسة عن دور خلايا عصبية في الغدة النخامية تستجيب للتفاعل الاجتماعي، مؤكدة أن غيابه يؤثر سلبًا على الصحة العقلية والجسدية. هذا الاكتشاف يتماشى مع ما قاله الفيلسوف أرسطو: “الإنسان بطبعه حيوان اجتماعي”، مشيرًا إلى أن الانفصال عن الجماعة يناقض الطبيعة البشرية ذاتها.
في السياق المغربي، يكشف الأنثروبولوجي عبد الله حمودي، الذي يرى أن المجتمعات التقليدية كالمجتمع المغربي كانت تعتمد على الروابط الاجتماعية كأساس للهوية والاستقرار. لكنه يلاحظ أن التحولات الحديثة، كالهجرة الداخلية والتوسع الرقمي، أضعفت هذه الروابط، مما جعل الأفراد أكثر عرضة للعزلة حتى في خضم الحياة المدنية.
العزلة والوحدة: تهديد مزدوج
العزلة، كابتعاد جسدي، تختلف عن الوحدة، كشعور داخلي بالانفصال، لكنهما يتشاركان في التأثير السلبي. تشير الدراسات إلى أن العزلة المزمنة تزيد من مخاطر الاكتئاب والقلق، بل وترفع معدلات الوفاة المبكرة، كما أكدت أبحاث عالمة النفس جوليان هولت-لونستاد. في المغرب، حيث كانت العائلة الممتدة والجيرة دعامتين أساسيتين، يعاني الكثيرون اليوم من وحدة عاطفية رغم التواجد الافتراضي عبر الشاشات. و هنا نستحضر قولة الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري: “الإنسان لا يكتمل إلا بالآخر”، للتأكيد على أن العلاقات ليست مجرد خيار بل عنصر مكون للذات.
دافع بيولوجي واجتماعي، فإذا كانت أدمغتنا تسعى لتجنب ألم العزلة كما تتجنب الجوع، فإن السعي للتواصل الاجتماعي يصبح غريزة وليس رفاهية. في المجتمع المغربي الراهن، حيث تتسارع وتيرة الفردانية تحت وطأة العولمة، تبرز الحاجة إلى إعادة تقييم العلاقات الاجتماعية كجسر للنجاة من الوحدة. فكما يقول عالم الاجتماع المغربي محمد جسوس: “التماسك الاجتماعي هو ما يعطي للحياة معنى في مجتمعاتنا”، مشيرًا إلى أن تفككه يهدد ليس فقط الأفراد بل نسيج المجتمع بأكمله.
منظور أوسع:
العلاقات الاجتماعية ليست كمالية بل ضرورة حيوية، تجمع بين الدافع البيولوجي والحاجة الثقافية، خصوصًا في سياق مغربي الذي يواجه تحديات العزلة أكثر من أي وقت مضى.
Comments ( 0 )