ظواهر انتخابية وما خفي منها ..”الدراع الدعراوي”

ظواهر انتخابية وما خفي منها ..”الدراع الدعراوي”

 

 

 

 

سواء في المغرب او في إسبانيا…، و في كل دورة انتخابية، تظهر في المدن المتوسطة والصغيرة نفس الوجوه تقريباً، لكن بأثواب جديدة.

 

في الأحياء الشعبية، في الأسواق، في المقاهي المجاورة للمستشفيات، او في انتظار خروج التلاميذ من المدرسة، تبرز فجأة نساء كنّ قبل أشهر قليلة يُنظر إليهن بازدراء خفي أو علني، يتحولن مع اقتراب الحملة إلى مناضلات، فاعلات جمعويات، باطرونات أو صوت الدرب. يحصلن على بطائق ريزيدانس، على سكن بالاقامة المعلومة، على رخصة محل تجميل أو تدليك، يتجولن في الحملة مرتديات جلباباً أنيقاً ويحملن صورة المرشح(ة) بفخر وكأنهن كنّ دائماً جزءاً من النضال.

 

هذه ليست ظاهرة جديدة، لكنها أصبحت أكثر تنظيماً ووقاحة مع مرور الدورات الانتخابية منذ 2011 فصاعداً.

 

كيف تتحول المحظورةإلى صوت انتخابي مضمون؟

 

الآلية بسيطة ومُجرَّبة في عشرات المدن، في السنة و السنتين قبل الانتخابات، يبدأ بعض المرشحين من كل الأطياف تقريباً، لكن الأكثر نشاطاً هم من الأحزاب الكبرى والمستقلِّدة لليسار سابقاً و الليبرالية المتسخة و حتى الملتحون في تبني مجموعة من النساء المشتغلات في الدعارة أو القريبات من دوائرها.

يتم تأمين سكن اجتماعي و ورقة “ريزيدانس” لهن عبر وسطاء في البلديات و المقاطعات.

 

تُمنح رخص تجارية (صالونات حلاقة نسائية، محلات تدليك، بوتيكات ملابس داخلية او حتى غطاء لممارسة الكوسمولوجيا بدريعة الرقية غير الشرعية..) بسهولة غير معهودة الانطلاق نشاط الدعوة الدعراوية.

 

في المقابل، تصبح هؤلاء النساء جيشاً انتخابياً، يحشدن (الجارات)، ينظمن لقاءات و سهرات “مݣفون” في الأحياء، يوزعن “بونات الزيت و الدقيق و الزبدة…)، وأهم من ذلك، يضمنّ حضوراً نسائياً كثيفاً يوم الاقتراع، وهو ما يُحسب للمرشح كدليل على تعبئته الشعبية من قوات الدعم السريع الصناديق الانتخابية.

 

يقول أحد المنتخبين السابقين ( لا داعي لذكر اسمه الآن):

كنا نسميهم اللواء النسائي. في 2021، واحد المرشح جاب 42 امرأة من حي معروف بالدعارة، كلهم سكنوا في إقامة واحدة حصل عليها بتدخل مباشر من الوالي السابق. يوم الانتخابات، كانت الاقامه السكنية كاملة كتصوت له تقريباً، حتى ان هناك من غيرت عنوانها لهذا الغرض. بعد أشهر من فوزه، بدأت حملة مداهمات على نفس الحي، وغيرت مجموعة منهم السكن. هذه هي الصفقة.

 

لماذا الدعارة بالذات؟

 

لأنها الأكثر طاعة والأقل تكلفة، هؤلاء النساء غالباً في وضعية هشاشة قانونية واقتصادية قصوى (أمهات عازبات، مطلقات، هاربات من أعين أصولهن…فهن لا يملكن ترف المساومة.

 

لا يطالبن بمناصب في المجلس ولا بحصص من الصفقات، يكفيهن سكن وقليل من الحماية البوليسية المؤقتة.

 

يمتلكن شبكة علاقات واسعة في الأحياء الشعبية و مصدر معلومة لا يستهان به، كما يستطعن تعبئة عشرات الأصوات بسهولة، تعجز عن جمعها البرامج الإنتخابية المتشابهة.

 

أخطر من ذلك .. يصعب على الخصوم السياسيين مهاجمتهن علناً، لأن أي هجوم سيُفسر على أنه “ازدراء للمرأة الفقيرة” أو “النخبوية”.

 

كشف هذه الظواهر لا نريد من خلاله إثارة القلاقل او التعميم على نطاق اشتغال بعض الحملات، لان الظاهرة كما اخترنا تسميتها “الدراع الدعراوي” تقل خطورة عن بعض الممارسات الاعنف التي تمارسها ادرع أخرى تشهدها بعض الديمقراطيات حول العالم (ادرع إعلامية و ادرع مالية و شبكات مصالح ..) ، في الجارة الشمالية إسبانيا، عندما أثار اليسار الإسباني (بوديموس تحديداً) في العام 2022، قضية استخدام بيوت الدعارة كمراكز لتعبئة الأصوات في بعض بلديات الأندلس، ثار نقاش وطني عنيف، لكن على الأقل تم النقاش علناً.

 

صدرت تقارير صحافية، فُتح تحقيق برلماني جزئي، واضطر الحزب في بعض المناطق للتنصل.

 

في المغرب؟ الصمت مُطبق. لا صحافة وطنية تتجرأ، لا جمعيات نسائية كبرى ترفع الصوت (باستثناء بيانات خجولة جداً) و محامي معزول آثار نقاش حقوق العاملات بهذا الميدان، سرعان ما اطفئته ادرع دعوية احست بالمنافسة التي قد تشكلها المومسات على دعايتهم، لا أحد في البرلمان يطرح سؤالاً كتابياً. الجميع يعرف، والجميع يستعمل نفس الأسلوب و يغض الطرف.

 

النتيجة بطبيعة الحال هي مجتمع يفقد مناعته عند كل دورة انتخابية، مقابل ازدياد عدد النساء اللواتي يخترن الدعارة كـمهنة انتقالية نحو السلم الاجتماعي عبر الباب السياسي بعدما تعددت الطرق و المسالك. لأنهم يعلمن أن الطريق الأقصر إلى السكن والحماية هو الارتباط بمرشح “الفاڤوري” .

 

و عند كل استحقاق انتخابي، يزداد قبول المجتمع بهذه الظاهرة ضمنياً، لأننا نراها تُكافأ.

 

لكن في النهاية، لا أحد يربح ..لا النساء، اللواتي يبقين رهائن للصفقة خمس سنوات ثم يُرمى بهن.

 

ولا المجتمع، الذي يرى السياسة تتحول إلى سوق نخاسة عصري.

 

ولا الديمقراطية، التي تُبنى على أصوات مشرواة ببضعة مقاسات تزداد ضيق على الأحزمة من كثرة الضغط.

 

ها نحن في الأسبوع الأول من دجنبر، الآن، بينما يبدأ الجميع في تلميع صورته استعداداً للانتخابات الجماعية والتشريعية المقبلة (2026)، تظل نفس الأسئلة معلقة في المقاهي وعلى التروتوار.

 

هل سنظل ننتظر حتى نرى لوائح انتخابية كاملة من أسماء كنّ بالأمس في تقارير الشرطة القضائية؟

أم سنبدأ أخيراً في الحديث بصراحة عن هذا الوجه القبيح للسياسة، قبل أن يصبح هو الوجه الوحيد؟

 

الكرة الآن في ملعب المجتمع المدني الحقيقي، والصحافة الجادة، والقوى السياسية التي لا تزال تؤمن أن الكرامة لا تُشترى ولا تُباع، لا بصوت انتخابي ولا برقعة على خصر “الدلقراطية”، نعم كما قرئتها : الدلقراطية كما سماها يوماً المهدي المنجرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .