ظواهر ناشئة : جيل الببغاوات و تحدي الابداع و الحس النقدي

ظواهر ناشئة : جيل الببغاوات و تحدي الابداع و الحس النقدي

 

 

 

في خضم التسارع الرقمي الذي يعيشه المغرب، يبرز اختيار مصطلح “جيل الببغاوات القادم” كتعبير مجازي يصف جيل ألفا وما بعده، الذين ينشأون في ظل انتشار الهواتف الذكية والمنصات الرقمية.

 

جيل يعيد نشر المحتوى الرقمي دون تحقق، كما يقلد الببغاء الكلام دون فهم

 

هؤلاء الاطفال، المحاطون بتدفق هائل من المعلومات عبر تيك توك وإنستغرام، يميلون إلى تقليد الاتجاهات والأفكار دون تحليل عميق، شبيهين بالببغاء الذي يردد الكلام دون فهم معانيه. هذه الظاهرة المجتمعية الناشئة، التي تتسم بالتكرار السطحي والاعتماد على الخوارزميات، تشكل تحديًا وفرصة في آن واحد. في المغرب، حيث باتت الهواتف الذكية رفيقة الأطفال في سن مبكرة، تقع على الأسرة والمدرسة في الوقت الحالي، مسؤولية حاسمة لتحويل هذه الطاقة الرقمية إلى إبداع يتصدى لتحديات هذا العصر الذي بدأ في محاصرتنا من كل الاتجاهات.

 

تتجلى الظاهرة الناشئة و المتسارعة في تطورها، في سلوكيات مثل إعادة نشر الميمات أو تقليد تحديات الإنترنت دون سياق، مما يعكس افتقارًا للتفكير النقدي أحيانًا. فالطفل الذي يحمل هاتفًا ذكيًا يتعرض يوميًا لمحتوى قد يشكل هويته بشكل غير واعٍ، كما تُظهر دراسات الأنثروبولوجيا الرقمية التي تحذر من تحول الأجيال إلى كائنات “تردد” بدلاً من أن تبدع. لكن هذا الجيل ليس مجرد متلقٍ سلبي؛ فهو يمتلك سرعة تعلم ومرونة تكنولوجية تجعله قادرًا على الإبداع إذا تم توجيهه بشكل صحيح.

 

الأسرة، كحجر زاوية المجتمع المغربي، تملك دورًا محوريًا في مواجهة هذه التحديات الناشئة. بدلاً من تقييد استخدام الهواتف الذكية، يمكن للآباء تحويلها إلى أداة تعليمية من خلال تخصيص أوقات لمناقشة المحتوى الذي يستهلكه الأطفال، مما ينمي التفكير النقدي. يمكن تشجيع الأطفال على إنشاء محتوى إبداعي، مثل مقاطع فيديو تعبر عن الثقافة المحلية أو قصص قصيرة مستوحاة من تراثهم، بدلاً من تقليد المحتوى الأجنبي. كما يُنصح بتخصيص ساعات يومية خالية من الشاشات لتعزيز التفاعل الأسري، سواء من خلال الألعاب التقليدية أو مناقشات حول قضايا مجتمعية مثل البيئة أو التعليم، مما يربط الطفل بتحديات المغرب الواقعية.

 

المدرسة، بدورها، تمثل فضاءً مثاليًا لتحفيز الإبداع. يجب على الأساتذة، الذين غالبًا ما يواجهون صعوبة في استيعاب هذا التحول الرقمي و أحيانا صعوبة في رصد اللامرئيات التي تعيق التحصيل، دمج التكنولوجيا في التعليم بطريقة مبتكرة. يمكن تصميم دروس تشجع التلاميذ على إنتاج مشاريع رقمية، مثل برمجة تطبيقات بسيطة لحل مشكلات محلية، كإدارة النفايات المحيطة بسور المدرسة أو تعزيز السياحة الثقافية. كما يُفضل تدريب المعلمين على استخدام المنصات الرقمية لتحويل شغف التلاميذ بالهواتف إلى أداة للتعلم و مواصلة التعليم عن بعد الذي نجح الى حد ما في فترة الحجر الصحي، مع تعزيز التفكير النقدي من خلال مناقشة المعلومات المغلوطة على الإنترنت. هذه الخطوات تحول التلميذ من “ببغاء” مزعج إلى مبدع يساهم في بناء شخصيته و مجتمعه.

 

في المغرب، حيث تواجه الأجيال الصاعدة تحديات مثل التغير المناخي والبطالة، يمكن للأسرة والمدرسة تحويل طاقة جيل الببغاوات إلى قوة إبداعية. من خلال تعزيز الحوار الأسري، دمج التكنولوجيا في التعليم، وتشجيع التفكير النقدي، يمكن لهذا الجيل أن يتجاوز التقليد السطحي ليصبح جيلًا يبتكر حلولًا لتحديات بلاده. إن الهواتف الذكية، إذا استُخدمت بحكمة، ليست عدوًا بل شريكًا في بناء مستقبل مغربي مزدهر.

 

الصورة الأكبر:

 

مع تطور الأجيال (من إكس إلى زد إلى ألفا)، أصبحت الأحداث الحاسمة مثل كوفيد-19 أو 11 سبتمبر تُشكل هوية الجيل، لكن الجيل القادم سيواجه “أحداثًا رقمية” تحولهم إلى “مقلدين” للعالم الافتراضي.

 

 

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .