عائدون من المستقبل ..أحلام بنات و معركة تحقيق الذات (تحيين)
بعد أزمة كورونا، شهد العالم عموما تحولاً في كيفية فهمنا للصراع ضد الفيروسات. فقد كشفت الأزمة عن أوجه قصور في استجاباتنا العالمية، بالإضافة إلى محاولات من جهات ضغط و لوبيات الركوب على الحدث للتأثير على مسار البحث العلمي والتطوير الطبي، ربما بهدف توجيهه الرأي العام (الجمهور)نحو مصالحهم الخاصة بدلاً من خدمة المجتمع. أدت هذه المحاولات إلى انتشار المعلومات المغلوطة و الاخبار الزائفة والتشكيك في الحقائق العلمية، خاصة بين الأجيال الشابة التي قد تكون أكثر عُرضة للتأثر بها من قبل المدعومين من اللوبيات. يمكن أن نسمي هذا إن صح التعبير بـ “حرب الفيروسات الأفكار “. و هي حرب تشتد يوما بعد يوم بعد انكشاف مجموعة من المغالطات حول بعض القيم المجتمعية, لقد أصبح من الضروري اليوم إعادة بناء الثقة في العلم والخبراء، ومحاربة المعلومات الخاطئة التي يروج لها بعض التيارات السياسية و اللوبيات، حرب لا يمكن أن يكتب لها النجاح لصالح قيمنا، إلا من خلال تعزيز التثقيف العلمي وتعزيز الشفافية في الأبحاث والسياسات الصحية العالمية و خاصة الصحة النفسية التي بدأت تأثيراتها السلبية تقلق الراصدين لاتجاهات تفكير الشباب و النشء، بعد ظهور عديد الأفكار الناشئة التي تدفع نحو المجون، عبر سَلب الذكر و الانثى سواء لمجموعة من خصائصهم التي تعمل جنبا إلى جنب لتحقيق التكامل المنشود للجنس البشري.
كان يجب أن نتعلم من دروس كورونا ونعمل على بناء نظام عالمي أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات الصحية المستقبلية و خاصة الصحة النفسية والاجتماعية التي تؤثر بشكل مباشر على القيم و التمثلات و الوعي الجماعي داخل المجتمع.
لقد اختارت الأقدار منذ الأزل أن يكتب لنا العيش على هذه الأرض الطيبة، التي اختار لها العلي القدير أن تكون أرض سلم و حوار ، أرض فكر و تفكير متواصل، رغم كيد الحاقدين و القوى الإمبريالية وأذنابهم من العرب و العجم، اللذين يترصدون لإسقاطنا عند كل فرصة تتاح لهم ، سقوط لم يكتب له النجاح عبر قرون، لأن ميثاق الشرفاء و الاحرار ميثاق غليظ عاهدوا الله عليه ما خلفوا، رغم تطور الزمان الذي أوصلنا لحدود هذا التطور الفائق الاتصال الذي يحاول البعض استغلاله و العمل به دون فضيلة لتضليلنا عن المسار الصحيح.
لا أُخْفيكم هنا و أنا من اخترت الكتابة مع حلول أزمة كورونا ؛ إيماناً منّي بقوة الكلمة، و إيماناً منّي أنَّ هنا على هذه الأرض الشريفة من القوى الحية الخَفية التي اختارت الكفاح التراكمي و الواقعية سبيلاً، منعني من تضخم الأنا، و أنا من جيل صاعد ذاق ذرعاً من الوعاء اللغوي المتداول بيننا، خلطنا المفاهيم ، خلطنا الطُهر بالذعارة و الحب بالنجارة ، أحرقنا روما لنشعل سيجارة ، جيلنا يُدخن بلا تفكير، جيلنا سارَعَ لشراء باسبور و ترك الطُيور كأن لا طائر سَيطير و لا وحش يسير ، بالمقابل عشقت مجالس الشيوخ اللذين انقرضوا اليوم قبل أن يقولوا لي إن زماناً صعباً ينتظركم.
لقد أدركو أن المعركة ستبدأ على الحَلَقةِ الأضعف، على الحَلقة التي تضمن لنا التماسك داخل هذا المجتمع, على الحلَقة الأَرقْ، على الحلَقة التي تُشعر باقي الحلقات بالأمن و السلام و العطف، على الحلَقة التي تُشعِرك بالانتماء للوطن، لما لا و هي أول حُب تَعرفه قبل حب الوَطن !
هي الأم !
هي الأخت !
هي الحبيبة !
هي الإبنة !
كانت المؤامرة تَنسج خيوطها داخل المجتمع مع تطور التكنلوجيا و تتوسع شبكات اللوبيات داخل منصات التواصل الإجتماعي.
بالمُقابل كانت حرب أخرى تدور رحاها لِلَجم لِسانِنا الدَارج ، لإحداث رجَّةٍ بوِعائِنا اللُّغوي، حتى يقِل صَفائُه و بلاغات تعبيره ، و انسقنا في مجامعنا حتى أصبحنا نَنْعتُ الفتيات بـ “التِيتيز” أصبحنا ننعت من قست عليهم ظروف العيش بِـ ” الهَارِبات” و الغير مُمتنعات و بمَن تَقدم بهم السِن بِـ “المِيمات” شابَّاتٌ “قهوِيات” ؛ مُطلقاتٌ بلا حدود و قاصِرات لخِدمة الأجندات ،عامِلاتٌ و طالِبات تحث رغبَاتِ جوع شبقي أصبح يتغدى على الفساد و الٕانحلال الخُلقي يعم الشوارع و المؤسسات بمساندة هواتف ذكية و عقول غَبِية اكتسحت بعدها المشهد على الصفحات و القنوات و الإذاعات التي تُدار بأيادي خفِية من خلف الزُجاج الحاجب لسياراتهم الفارهة.
نماذج من الواقع الحالي..
“إننا أصبحنا الرجال الذين كنا نريد الزواج بهم”، هكذا بدأت القصة على منصات التواصل ايام كورونا بعد أن تبنتها و سندتها لنفسها مجموعة من العاهات الفاشلة التي تحرض القاصرات على النجوم بطرق مُلتوية بعد أن قضى حمِيدة وثره منها، لتصبح هذه المقولة لغلوريا ماري شتينيم التي تعد من أهم شخصيات الحركة النسوية والتي تصنّف نفسها من النسوية الراديكالية، و هي العبارة التي تختزل أحد المخرجات الرئيسية لإحدى أهم معارك هذه الحرب التي خاضتها مجموعة من الاعلاميات و الفنانات قبل تؤهلهم و الارتقاء بأحضان البيترودولار لتحقيق الذات مجدداً عبر بوابة التعدد و أن تكون الزوجة الثانية أو الرابعة و حتى الخامسة المضروبة في الأسداس للمرأة العربية العصرية بالقنوات الفضائية الواسعة الانتشار و المتطورة تكنولوجيا.
لقد أصبحت هذه الفوضى الخلاقة داخل هذه الحرب الهوجاء تعم المفاهيميّة التي نعيشها داخل المنصات المُتسيِّبة ، بقوة فاعل، يكتسي فيه مفهوم تحقيق الذات حلّة زاهية الألوان سلبت حتى قوز قزح رونقه، ولكن قد يفوت الأوان بعد ان تكتشف المرأة أنها لا تختلف عن اولاءك الواسعات المفاهيم الذين حرضوها على سفرها طالبة المجد وباحثًة عن ثأرها، وبعد أن سرى السمّ في بدنها لتجد نفسها غريبة وحيدة لوحدها أو مع حميدة أمام كاميرا المباشر للتحريض على غلطة العمر التي اقترفتها مع تضخم الأنا و البحث عن الذات الضائعة.
فأغلب النماذج التي وضعت أسلحتها الآن في زمن ما بعد الحداثة و ضعو أسلحتهم المُنمقة بمايكاب صفارات الإنذار و العيون الشيطانية في معركة تحقيق الذات الشرسة، اكتشفو أن ثوبهم الذي ألبسهم إيّاه النظام المادي الجديد ما كان إلا حلة موشاة بالذهب لكنها مغموسة بالسم، وأنها بقيت غريبة ترثي نفسها كحال ذي القروح وهو يحتضر غريبًا جريحاً مُترهل الثُغور.
منظور أوسع..
في ظل هذه الفوضى يكون من أهم الواجبات المعرفية تحرير المفاهيم وإخراجها من ركام التحيزات المعرفية لا سيما إن علمنا أنها تسميات ومفاهيم لا تطلق عبثًا ولا بحسن نيّة ولا تأتينا وبراءة الأطفال في عينيها، وفي ذلك يقول مختصوا تحيين المفاهيم إن سياسات التسمية هي من أهم جبهات التحرر الفكري والاجتماعي والسياسي، لأن المفاهيم المغلوطة والتسميات الزور هي السجن الحقيقي الذي يعوق العقل ويحرمه من فهم العالم، ولذلك فإن كشف زيف المفاهيم.. يغدو مهمة واجبة.
وعند حديثنا عن معركة تحقيق الذات التي تخوضها المرأة وترفع شعارها وتنافح عنها، لا بدّ من تفكيك هادئ لعدة قضايا تجلّي لنا الصورة الكاملة وتفتح لنا النوافذ على إطلالات أبعد من غبار المعركة الحالية.
السؤال الأكبر..
أليس الواجب قبل العمل على تحقيق الذات أن يتعرّف المرء على ذاته؟! لا مبالغة في القول: إنّنا في مرحلة زمنية نحتاج فيها قبل أي شيء إلى الوقوف على أرضية صلبة من معرفة الذات وتعريفها قبل العمل على تحقيقها.
Comments ( 0 )