قرار المحكمة الدستورية يعزز ضمانات المحاكمة العدلة: قراءة تحليلية في القرار رقم 255/25 حول قانون المسطرة المدنية

قرار المحكمة الدستورية يعزز ضمانات المحاكمة العدلة: قراءة تحليلية في القرار رقم 255/25 حول قانون المسطرة المدنية

 

 

ذ. محمد قنديل: باحث بسلك الدكتوراه في القانون الخاص

 

 

في خطوة دستورية بارزة تعكس التزام المغرب بضمان سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات، اصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 4 غشت 2025 القرار رقم 255/25، المتعلق بالرقابة على دستورية القانون رقم 23.02 المتعلق بالمسطرة المدنية. جاء هذا القرار، بناء على إحالة من رئيس مجلس النواب، ليشكل محطة هامة في مسار مراجعة التشريعات الاجرائية، التي تمس حقا جوهريا يتمثل في حق التقاضي العادل.

 

تأتي هذه القراءة التحليلية لتستعرض أبرز محاور القرار، خاصة المقتضيات التي اعتبرت غير متوافقة مع الدستور، وتبين الدلالات القانونية العميقة التي يحملها، والتي تشكل بارقة أمل في مسار تحديث التشريع القضائي بما يضمن حقوق المتقاضين ويعزز ثقة المواطنين في منظومة العدالة.

 

أولا: التوازن بين استقلال القضاء وحماية الحقوق

انطلق القرار من المبادئ الدستورية الجوهرية التي نص عليها دستور 2011، وفي مقدمتها مبدأ سمو الدستور كمرجعية عليا، واستقلال السلطة القضائية، وحيادها، فضلا عن ضمان حقوق الدفاع والامن القضائي كركائز اساسية للحق في المحاكمة العادلة. كما اكدت المحكمة على ضرورة احترام مبدأ فصل السلطات والتوازن بينها تطبقا لما جاء في الفصل الأول من الدستور، لا سيما في العلاقة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وذلك حفاظا على نزاهة العمل القضائي تطبيقا للمواد 107 و 120 وكذا الفصل 154 من دستور المملكة المغربية.

 

بحث جاء من ضمن حيثيات القرار محكمة الدستورية” حيث إنه إن كانت حماية المشرع للنظام العام في مجال التنظيم الإجرائي للدعوى المدنية، تشكل في حد ذاتها، هدفا مشروعا لا يخالف الدستور، فإنه يتعين على المشرع، عند مباشرة ذلك، استنفاد كامل صلاحياته في التشريع، والموازنة بين الحقوق والمبادئ والأهداف المقررة بموجب أحكام الدستور أو المستفادة منها”.

 

إن اعتبار المحكمة للقانون موضوع الرقابة قانونا اجرائيا يمس جوهر الحق في التقاضي، يعني ضرورة فحص دقيق لكل نص من نصوصه، خصوصا تلك التي قد تؤثر على ضمانات المحاكمة العادلة، وهو ما يبرز الوعي العميق لدى المحكمة بأهمية هذه الضمانات في تحقيق العدالة الناجزة.

 

ثانيا: المواد غير المطابقة للدستور: اشكاليات دستورية جوهرية

رصد القرار عدة مواد في القانون المعروض على المحكمة، رأى انها لا تستجيب للمعايير الدستورية، من بينها:

• المادة 17 التي منحت النيابة العامة صلاحية طلب بطلان احكام نهائية بدون تحديد حالات واضحة، مما يهدد استقرار الاحكام ويخل بمبدأ الامن القضائي.

• المادة 84 التي اقرت صحة التبليغ اعتمادا على تقدير شخصي او تصريح شفوي، الامر الذي قد يفتح الباب للأخطاء ويؤثر سلبا على حق الدفاع.

• المادة 90 التي سمحت بحضور الاطراف عن بعد دون تحديد ضمانات تقنية وقانونية تحفظ علنية الجلسات ومبدأ التواجهية، وهو ما يتعارض مع قواعد العدالة الناجزة.

• المادتان 107 و364 اللتان منعتا الأطراف من التعقيب على مستندات المفوض الملكي، مما يقيد مبدأ تكافؤ الفرص ووسائل الدفاع.

• المادة 288 التي احتوت على احالة خاطئة لنص قانوني، ما أثر على وضوح النص القانوني وسلامته.

• المادة 339 التي سمحت بعدم تعليل بعض القرارات، مخالفة لالتزام الدستور بتعليل جميع الاحكام.

• المادتان 408 و410 اللتان خولت صلاحيات تدخل لوزير العدل في سير الدعوى القضائية، ما يشكل تهديدا لاستقلال القضاء.

• المادتان 624 و628 التي اسندتا ادارة النظام المعلوماتي لتوزيع القضايا للسلطة التنفيذية، وهو اختصاص جوهري يجب ان يظل في نطاق السلطة القضائية.

 

ثالثا: التأكيد على أسس العدالة وسيادة القانون:

يحمل هذا القرار أبعادا قانونية وعلمية عميقة، تجلت في:

تأكيد المحكمة على أن الضمانات الاجرائية ليست مجرد شكليات شكلية، بل هي جوهر لا غنى عنه لتحقيق العدالة وحماية حقوق المتقاضين.

 

انسجام القرار مع المعايير الدولية، خاصة نص المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن علنية الجلسات وتكافؤ الفرص في وسائل الدفاع.

رفض تدخل السلطة التنفيذية في المجال القضائي، دعما لاستقلال القضاء وضمانا لنزاهته.

توسيع مفهوم الامن القضائي ليشمل استقرار المراكز القانونية وحجية الاحكام النهائية، مما يعزز ثقة المتقاضين في النظام القضائي.

 

يشكل القرار رقم 255/25 مرجعا اساسيا ومؤسسيا في مسار تطوير منظومة العدالة في المغرب. فهو يؤكد على ضرورة احترام الضمانات الدستورية في التشريع الاجرائي، ويعزز دور القضاء كحارس على الحقوق والحريات، بعيدا عن اية تدخلات سياسية او ادارية. وفي ضوء هذا القرار، يتحمل المشرع الوطني مسؤولية تاريخية في اعادة صياغة النصوص التي الغتها المحكمة، لتأسيس قانون المسطرة المدنية يوفق بين فاعلية الاجراءات وضمانات حقوق المتقاضين، ويترجم روح الدستور وقيم العدالة المنشودة.

 

هذا القرار لا يعبر فقط عن موقف قضائي محض، بل هو اشارة واضحة الى جدية المغرب في تعزيز دولة القانون، وحماية حقوق الافراد في اسمى صورها، عبر نظام قضائي مستقل وعادل.

Share
  • Link copied
Comments ( 1 )
  1. فاطمة الزهراء أولاد مبارك :

    مقال رصين و دقيق بالتوفيق انشالله

    1

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .