قوتنا العظمى: ما يجعل الإنسان في صميم التفوق!

قوتنا العظمى: ما يجعل الإنسان في صميم التفوق!

 

 

لايوجد شئ أمتع من المشي في نزهة

لا يوجد اي شيء امتع من أن تمشي عِدل

لا يوجد شيء امتع من ان تمشي و انت لا تحمل سُخرة القائد..

لا يوجد شيء امتع من أن تخلع نعليك و تمشي حافيا

 

فكل العظماء عبر تاريخ و الرسل و الأنبياء تخللت حياتهم رحلات و هجرات غيرت حياة الإنسان ..

 

فالمشي لا يقتصر على الانتقال من مكان إلى آخر، وليس مفيدًا لصحتنا الجسدية والعقلية فحسب، بل هو جزء مما يجعلنا بشرا.

 

و لأن المشي فعل بشري في الأساس، وأنه كان محور تطورنا البيولوجي والاجتماعي كنوع. فإن مشينا لفترة كافية، يُدخلنا في حالة من الخبرة المثالية ؛ أطلق عليها عالم النفس ميهاي تشيكسينتميهالي “التدفق”. بوسعنا أن نحشر أنفسنا في صالات الرياضة فوق آلة المشي أو نتبع نصائح معقدة حول كيفية “الوصول” إلى هذه الحالة الخارقة للطبيعة؛ ولكن هناك طريقة أسهل وأبسط وأكثر تواضعاً وأكثر إنسانية للقيام بذلك، وهي: المشي

 

تذكير لقوله تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا.

 

المشي فعل اجتماعي لا يتجلى فقط في الروابط اليومية بين الرفاق أو أفراد الأسرة الذين يتنزهون، بل وأيضاً في الحج والاحتجاج. فهو يعتبر وسيلة لنا للتواصل مع الطبيعة من خلال مساعدتنا على ترسيخ الشعور بالزمكان. وهو يدافع عن إنشاء مدن يمكن المشي فيها، حيث توضع احتياجات المشاة فوق احتياجات السائقين، كما تميل لذلك بعض المدن المُفكرة ( فاس،كوبنهاجن، بولونيا،أمستردام…) وربما يمكنك أن تسمي بعضها بنفسك إلى أن تكون أكثر حيوية وصحة.

 

في كتابه “في مديح المشي” لعالم الأعصاب شين أومارا يتفق مع هذا الرأي، لكنه يعود ليتأسف في كتابه الصغير الممتع على الطريقة التي يقود بها الكثير منا حتى لمسافات قصيرة، يقول : (لدي صديق اعتاد أن يقود سيارته لمسافة عشر دقائق سيراً على الأقدام إلى صالة الألعاب الرياضية، وهو ما لا يزال يثير السخرية بالنسبة لي)، ويجادل بشكل مقنع تماماً بأن هذا له تأثير أكثر ضرراً على الحياة العامة ورفاهيتنا (وكذلك العالم الطبيعي) اكثر مما قد نتصور.

 

هناك أيضًا ارتباط وثيق بين المشي ووظائف الدماغ. فحتى المشي لمسافة قصيرة يعزز ذاكرتنا وإبداعنا وجودة تفكيرنا ان لم نقل أنه سكة العباقرة. المشي يقلل بشكل كبير من إجهادنا ويحسن مزاجنا. إنه مفيد للقلب والعضلات والتمثيل الغذائي(عملية الأيض). و للمزيد عن المشي نحو التفكير، ربما تعرف أن المعنى الأصلي لصفة ” مُتجول ” بمعنى (السفر من مكان إلى آخر، وخاصة للعمل) كان “متعلقًا بتلاميذ أو فلسفة أرسطو”، من الكلمة اليونانية perpatētikos (التي تعني “مُعطاة للمشي، وخاصة أثناء التدريس”). كانت مدرسة أرسطو تسمى Peripatos بسبب peripatoi بالعربي “ممرات المشاة” المدرسة الثانوية حيث كان أعضاؤها يجتمعون. و حتى لا نمر مرور الكرام سنُذكر أن مدينة فاس المغربية لا زالت تُعتبر أكبر مدينة للمشاة عبر العالم قبل أن تنال شرف العاصمة العلمية، حيث كانت و لا تزال قِبلة لعدد لا يحصى من الفنانين والمفكرين والفاعلين، يمشون لتحفيز عقولهم والتوصل إلى أفكار جديدة. في الواقع، أجريت دراسة صغيرة أنيقة طُلب فيها من الطلاب قبل وبعد نزهة قصيرة أن يذكروا أكبر عدد ممكن من الاستخدامات لشيء ما ( utilité ). (وهذا اختبار شائع للإبداع)، وعادة ما يتضاعف العدد بعد النزهة القصيرة؛ كما تزداد جودة الأفكار أيضًا.

 

منظور أوسع

المشي على قدمين، أي استخدام قدمين للمشي بدلاً من أربع على سبيل المثال، هو ما يميزنا عن باقي المخلوقات إضافة للعقل و البشرة. ببساطة تجربة المشي تخفي تعقيد الآليات التي تنطوي عليها. فهي تتضمن الحفاظ على وضعية مستقيمة ـ وهو ما يصبح ممكناً بأقل جهد عضلي بفضل العمود الفقري المنحني ـ وهو ما يحرر اليدين أيضاً لأداء مهام أخرى؛ والأقدام المقوسة التي يمكنها امتصاص الصدمات؛ والحوض العريض الذي يركز كتلة الجسم فوق الساقين؛ ودورة مشية معقدة تتضمن ضرب الكعب، والوقفة، والدفع، والتأرجح؛ وتنسيق عضلات الفخذ الرباعية، والساقين، والأرداف، والجذع، والحفاظ على التوازن من خلال الجهاز الدهليزي في الأذن. وبفضل هذا، فإن المشي موفر للطاقة بشكل مذهل.

ننصحك آخر مرة أن تضع هاتفك جانبًا، وتغلق الكمبيوتر. لربط حذائك و الانطلاق في نزهة، لتسترخي في أحد تقاليد البشر الأكثر تواضعًا، وهو وضع قدم أمام الأخرى والتحرك. فهذا مفيد للعقل والجسد و الروح.

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .