لعنة الفراعنة و الرموز الخفية في عالم اللامرئي

لعنة الفراعنة و الرموز الخفية في عالم اللامرئي

 

 

 

 

في نهاية كل عام، يتسارع الزمن ليختار أبطاله ونجماته من قصص النجاح، لكن في أعماق الثقافات الشعبية، تظل هناك قصص أخرى تتجاوز البريق السطحي.

 

قصص تتحدث عن لعنة خفية، رموز غامضة، وقوى لا مرئية تحكم مصائرنا نحن البشر ذوي البشرة الساحرة.

 

في هذا المقال لربما نغوص بعض الشيء في عالم علم السيمياء – علم الإشارات والرموز – علّنا نستطيع التقاط بعض الانفاس قبل نهاية السنة، من خلال رحلة تجمع بين كتب قديمة، تجارب حقيقية، ومعتقدات شعبية مغربية، مروراً بـلعنة الفراعنة التي حدثنا عنها الكاتب المصري أنيس منصور في كتابه الصغير الحجم، الكبير التأثير، و المترجم للغات عالمية.

يبدأ غوصنا اليوم بكتاب “لعنة الفراعنة” لأنيس منصور، الذي يُعد مدخلاً سيميائياً إلى عالم اللامرئي. في هذا الكتاب، يروي منصور قصة مقبرة الملك الفرعوني الشاب توت عنخ آمون، حيث تحولت المقتنيات الملكية – الجواهر، الأدوات، والتماثيل – إلى رموز للّعنة. هذه الرموز التي اعتبترها الثقافة المصرية ليست مجرد أشياء مادية، بل إشارات تحمل طاقة خفية، تطارد اللصوص والمستكشفين. منصور يربط في كتابه بين حوادث غريبة، مثل غرق السفينة تيتانيك التي حملت بعض هذه المقتنيات، ووفيات و أمراض غريبة مفاجئة لمن تعاملوا معها. هنا، يبرز العلم و يكشف أن الرمز ليس مجرد شكل، بل نظام يربط بين المرئي واللامرئي، بين الماضي والحاضر، بين الخير و الشر. أما اللعنة، في هذا السياق، فليست خرافة، بل تفسير فلسفي لكيفية تأثير الرموز في الوعي الجماعي، حيث تصبح السرقة و انتهاك الخصوصية انتهاكاً لتوازن كوني، يعود بالعقاب غير المباشر.

من الكتب القديمة إلى التجارب الشخصية، يمتد الخيط اللامرئي إلى أرض المغرب التي تحدث عنها العلامة ابن خلدون في هذا الباب كثيراً، حيث تتشابك المعتقدات الشعبية مع الواقع اليومي.

 

في تجربتي شخصية، حيث عملت في شركة أجنبية لبناء منشأة صناعية عملاقة فوق أنقاض ضريح ولي صالح معروف بملكاته الخارقة، مثل جلب الأمطار والاتصال بقوى روحية و مشرك البحر المحيط. هناك، حيث تعطلت المعادلات الرياضية والفيزيائية و الكيمياء أمام “قوى خفية”، حتى اضطر مهندس دولة عظمى إلى تقديم قربان – ذبيحة كبشين أملحين – لـ”أهل المكان” للسماح بانطلاقة الانتاج. هذه التجربة ليست مجرد حدث، بل رمز سيميائي، جعل القبر يمثل حدوداً مقدسة أمام آلة عملاقة تمثل التدخل الحديث. التعطل هنا إشارة إلى صراع بين العِلم والروح، حيث تفرض الرموز الشعبية قوانينها الخاصة. في المغرب، حيث يُجرّم القانون النبش في المقدسات، وتنتشر التعويذات والطلاسم بين قوى الخير و الشر، يصبح الدعاء الشعبي “التسليم يا رجال البلاد” رمزاً للتوازن بين هذه القوى .فلسفياً، يدعونا هذا الربط إلى التأمل في طبيعة الرموز كقوى حية. في علم اللامرئيات، كما عند الفيلسوف رولان بارت، الرمز ليس ثابتاً، بل يتغير حسب السياق الثقافي. لعنة الفراعنة، في الثقافة الشعبية، تذكرنا بأساطير الأولياء في المغرب، حيث تحمي الأحجار والأشجار حرمة الموتى، ويختفي الطامعون بالكنوز في غياهب المجهول. هذه القصص ليست مبالغة، بل تعبير عن وعي جماعي يرى في الانتهاكات انتهاكاً للتوازن الكوني.

في عصرنا، حيث يحاول المخرجون السينمائيون تصوير اللامرئي، والمعلمون كشف المعيقات الخفية، يظل الباحثون يضيئون المناطق المعتمة، محاولين تفسير الرموز التي تحكم حياتنا دون أن ندري.

من منظور أوسع، هل اللعنة حقيقة أم وهم؟ ربما تكون، في عالم السيمياء، مزيجاً من الاثنين ..رمز يعكس تصرفاتنا الأخلاقية، ويذكرنا بأن العالم أوسع من المرئي. في المغرب وخارجه، تظل هذه القصص دعوة لاحترام الخفي، قبل أن يطاردنا على سوء أخلاقنا.

 

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .