محاولة فهم الفرق بين الأخلاق الشخصية وأخلاقيات المهنة على ضوء التلفض بعبارة “صلگوطة” بالفضاء العام

محاولة فهم الفرق بين الأخلاق الشخصية وأخلاقيات المهنة على ضوء التلفض بعبارة “صلگوطة” بالفضاء العام.

 

 

في قطاع الصحافة، حيث تتشابك منذ مدة العلاقات المهنية مع التواصل العام و لا تزال، تبرز أحيانًا حوادث تثير الجدل وتفتح الباب للتساؤل حول الحدود بين الأخلاق الشخصية وأخلاقيات المهنة.

 

إحدى هذه الحوادث التي أثارت ضجة بين الأوساط الصحفية مؤخراً، كانت استخدام الأستاذ حمدي المهداوي لمصطلح “صلگوطة” – وهو تعبير عامي مغاربي يُستخدم عادة في سياقات غير رسمية كالاجتماعات العائلية أو بين الأصدقاء للدلالة على دناءة أو سوء سلوك شخص ما – لوصف زميلة له أمام الجمهور عبر فيديو علني في منصة “اليوتيوب”.

هذا التصرف الذي لم يمر دون رد فعل من قبل المجلس الوطني للصحافة، حيث واجه المهداوي توبيخًا من الجهات المشرفة على أخلاقيات المهنة، لكنه بدوره لم يتقبل هذا التوبيخ، مما أثار نقاشًا أوسع حول الفجوة بين ما يعتبره الفرد مقبولًا على المستوى الشخصي وما تفرضه أخلاقيات الصحافة كمعايير مهنية.

 

الأخلاق الشخصية مرآة القيم الفردية!

 

لن ندخل هنا في دوافع التلفض بالعبارة لكن سنحاول الاقتراب من فهم الأخلاق الشخصية التي تعبر عن مجموعة القيم والمبادئ التي يكتسبها الفرد من بيئته الاجتماعية، عائلته، وتجاربه الخاصة. في سياق مثل الذي استعملت فيه عبارة “صلگوطة”، يرى المهداوي أن هذا التعبير جزء من لغته، بل وحتى تعبير عفوي لا يحمل بالضرورة سوء نية متعمدة. في الأوساط غير الرسمية، قد يكون هذا المصطلح مقبولًا أو حتى طريفًا بين الأصدقاء أو الزملاء المقربين، لأن العلاقة بين الأفراد في هذه الحالة تقوم على التفاهم المتبادل والسياق المشترك. لكن ما لم يدركه الأستاذ هنا، هو أن هذا المنطق الشخصي يصطدم حين ينتقل إلى فضاء عام، حيث تتغير الديناميكيات وتصبح الكلمات أدوات تحمل مسؤولية أكبر.

 

أخلاقيات الصحافة: إطار مهني لحماية المصداقية.

 

على النقيض من الأخلاق الشخصية سواء كنت سكيرا أو مقامر أو معتوه أو متبوع تشعر بالضيق، فإن أخلاقيات مهنة الصحافة ليست مرنة أو متأثرة بالتفسيرات الفردية. إنها مجموعة قواعد ومعايير تهدف إلى ضمان الاحترام المتبادل، المصداقية، والموضوعية في التعامل مع الجمهور والزملاء على حد سواء. و في هذه الحادثة، حيث تم استخدام مصطلح “صلگوطة” أمام الرأي العام لوصف زميلة لم يكن مجرد خطأ لغوي، بل خرقًا لمبادئ الاحترام المهني والابتعاد عن الإساءة الشخصية التي قد تؤثر على سمعة الفرد والمهنة ككل.

 

القائمون على أخلاقيات المهنة رأوا في هذا السلوك تهديدًا للمعايير التي تحافظ على نزاهة الصحافة، خاصة أن الفضاء العام ليس مجالًا لتصفية الحسابات أو استعراض الأساليب الشخصية، وهذا ما دفع بالاستاذ مجاهد، القائم على تصيح مسار الصحافة، إلى الدفع بشكاية للمهداوي للتنبيه بالالتزام يأخلاقيات المهنة التي تعيش عهد الإنحطاط بسبب ضجيج مواقع التواصل الاجتماعي.

صدام زملاء الأمس: لماذا رفض المهداوي التوبيخ؟

رفض المهداوي للتوبيخ قد يكون انعكاسًا لعدم وعيه الكافي بالفارق بين السياقين، أو ربما تمسكه بتبرير شخصي يرى أن ما قاله ليس بالخطورة التي صُورت بها. هذا الرفض يعكس أحيانًا صعوبة الانتقال من منطق الأخلاق الشخصية، التي قد تكون أكثر تسامحًا مع العفوية والصراحة غير المصفاة، إلى منطق الأخلاقيات المهنية التي تتطلب ضبط النفس والوعي بالتأثير العام للكلمات. لكن هذا لا ينفي أن المهداوي و من معه جزء من منظومة مهنية ؛ على الأقل أمام الجمهور في الظرفية الحالية الصعبة، فهو في جميع الأحوال ملزم باحترام القواعد حتى لو تعارضت مع ميوله الشخصي و قناعته.

لكن ..كيف يمكن سد الفجوة؟

لحل مثل هذه الإشكاليات، يبدو من الضروري تعزيز التوعية بأخلاقيات المهنة بين الصحفيين من خلال تدريبات دورية ومناقشات مفتوحة عوض التنصيب الذاتي الذي يختاره البعض للدلو بدلوه في بركة التشهير و السب و القذف الممتلئة. الحادثة تظهر أن هناك حاجة لتوضيح أن حرية التعبير الشخصي تنتهي حيث تبدأ مسؤولية المهنة تجاه الجمهور والزملاء. كما أن على الصحفيين أنفسهم أن يدركوا أن اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل سلاح قد يبني سمعة أو يهدمها، خاصة في عصر الإعلام الرقمي الذي يُضخم كل كلمة و يجعل منها قنبلة موقوتة حسب اختلاف السياقات.

منظور أوسع 

حادثة “صلگوطة” ليست مجرد سوء تفاهم عابر، بل درس يبرز الحاجة إلى فهم أعمق للفرق بين الأخلاق الشخصية وأخلاقيات الصحافة. فإذا كانت الأولى تعكس هوية الفرد وخلفيته و ذاك شأنه، فإن الثانية تحمي مهنة تعتمد على الثقة والاحترام. قد يكون من الصعب على البعض تقبل هذا الفصل، لكن الالتزام به هو ما يضمن استمرارية الصحافة كسلطة رابعة محترمة ومؤثرة في مجتمع اختلطت عليه المفاهيم إلى حدود كتابة هذه الأسطر.

 

إشارة:

في مقال الأستاذ يونس مجاهد حول محاكم الشرف يشير رئيس المجلس الى أن تحقيق السلوك الأخلاقي يتطلب تهيئة بيئة اقتصادية واجتماعية مواتية، وهي فكرة قد تبدو منطقية من منظور عملي.

لكن مجتمعيا فالفقر أو الضغوط الاجتماعية قد تدفع البعض للانحراف عن المبادئ. لكن في عقدنا الإجتماعي الغير مُعلن، ينظر إلى هذا الربط على أنه محاولة للتخفيف من وطأة المسؤولية الفردية. فالأخلاق، سواء الشخصية أو المهنية، تعتبر منزهة عن هذه الظروف، لأنها اختبار للإرادة والضمير، و هنا يبرز تحدي آخر على الرغم من استشهاد رئيس المجلس بظروف صحافيين يتصدون للهشاشة بالعمل و المثابرة ،حيث لا يمكن هنا جعل هذا الوضع قاعدة للالتزام بأخلاقيات المهنة.

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .