مرونة الأنثريوبلوجي بين ” الألفة و البعد” في درس التنصيب بأكاديمية المملكة للعالم حسن رشيق

مرونة الأنثريوبلوجي بين ” الألفة و البعد” في درس التنصيب بأكاديمية المملكة للعالم حسن رشيق

 

 

خلال حفل تنصيبه كعضو في أكاديمية المملكة المغربية، قدم عالم الأنثروبولوجيا صاحب ” “القريب و البعيد” الاستاذ حسن رشيق رؤيته المختلفة حول مفهوم الأُلفة والبعد في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية. وأوضح أن موقف الأنثروبولوجي يتمثل في التوازن بين الأُلفة والبعد، مشيراً إلى أنه يعتمد على “وضع مرن” يتنقل بين الأُلفة والبعد وفق السياق.

 

و اعتبر الأستاذ رشيق أن “الألفة قد تُعَدُّ حجاباً”، موضحاً مفهوم هذه الفكرة بالقول إن “الألفة كحجاب” تمثل تصوراً سلبياً نشأ من العلوم الإنسانية والفلسفة، حيث ترتبط بالألفة الضيقة والأحكام المسبقة. ويشير إلى أن هذا التقليد الوضعاني يسعى إلى التخلص من الألفة والابتعاد عن الجماعات الأولية المرتبطة بالدين أو الإثنية أو القومية أو السياسة، لمصلحة الجماعة العلمية الثانية.

 

ليعود مستدركا بالقول في درسه قائلا: “الألفة يمكن أن تؤثر على وصفنا ووضعنا، سواء كنا وضعانيين أم لا”، وقدّم مثالا ببحث له لما كان أنثروبولوجيا متدرب ؛ حيث لم يصف تقليد “الذبح” لأنه “كان مألوفا لي”، بينما “انجذبت لعادات ريفية غير مألوفة لدي، إذا لم أقل غريبة، بدل الذبح المعهود”.

 

و بالتالي، “لتجنب آثار الألفة، علينا العمل وكأن المألوف لا وجود له، بالشك المنهجي لديكارت، والجهل المنهجي لــدوركهايم” يشرح في معرض درسه الأكاديمي. ولذلك، “أسأل عن معلومات دقيقة باستعمال لغة الناس المحلية، دون تظاهر بالجهل (حتى لا أُظَنَّ غبيّا أو منافقا) مع تجنب دور العارف بكل شيء، وأوقفت زملاء لي كانوا على وشك الإجابة بدل من يسألونهم لأن الجواب بدا بديهيا، بينما المطلوب هو الانتظار لأنه ربما قد يجيبني محاوري بما لا أعرف”.

 

وحول وصف “أنثروبولوجي بلده” لمن يشتغل بدراسة بلاده، ذكر أن مضمون الوصف “نسبي”؛ لأنه اكتشف في الميدان “مفاهيم كأني أكتشفها أول مرة”، ورغم العناصر المشتركة، “التي غالباً ما تكون الأكثر سطحية، فإن في الميدان دائم التجديد، لدرجة الإصابة بدوار ثقافي بفعل ما أكتشفه”.

 

من بين الأمثلة التي قدمها الأنثروبولوجي لإظهار الجوانب الإيجابية للألفة، ذكر حالة أنثروبولوجي أجنبي عمل في منطقة صفرو، وسجل أن المغاربة لا يمتلكون كلمة باللهجة الدارجة تعبر عن “المجان” باستثناء كلمة “فابور” الإسبانية. وعندما قرأت ذلك، شعرت بأن هذا غير صحيح، حيث تذكرت استخدام كلمة “باطِل” في العديد من المناطق المغربية للدلالة على نفس المعنى. وقد استخدم الأنثروبولوجي، الذي أكن له الاحترام، كلمة “باطِل” للدلالة على “حق” دون أن يربط بينهما. ولكنه يعرف ما يجده في الميدان، بينما يمكنني الاستناد إلى ثقافتي الخاصة.

 

رغم ذلك، يؤكّد الأستاذ الذي خبر الميدان أن أُلفتَه “جد نسبية ومحدودة” ولو أنه “لا يتعلم كل شيء في الميدان”، ثم يتابع مبرزا عدم صحة اختزال الباحث في جماعته الأصلية “بينما ينتمي إلى جماعات ثانوية عدة، منها الجماعة العلمية المحلية والوطنية أو الدولية مهما كانت”.

 

متعمقا في الشرح “ليست الألفة موردا ولا عائقا في حد ذاتها، بل الألفة والبعد مَوردان من الموارد التي لا ينبغي أن نعطيها أكثر مما تستحق”، والمنهج العلمي ينبغي أن يطبَّق بشكل منظَّم على الأفكار المألوفة والجديدة، علما أن “وضع كل أنثروبولوجي يكمن في الألفة والبعد”.

 

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .