مساخيط عالموضة

مساخيط عالموضة

 

 

 

 

عن مغامرات المتعالين فوق القانون في عالمٍ لم يعد يفهمهم!

 

في سياق اصبح يحكمه القانون والنظام، هناك نخبةٌ “مُختارة” – أو هكذا يظنون – لا تزال تطير في أجواءٍ من الوهم، حيث القوانين مجرد زينةٍ على أرضٍ لا يطؤونها. إنهم “المساخيط “، سادة العصر الذين يرون أنفسهم كأبطالٍ أسطوريين، يتجاوزون طوابير البشر العاديين بنظراتٍ إمبراطورية وابتسامةٍ تقول: “القانون؟ آه، هذا اللي تحت!” “ادن السير يسير” هؤلاء ليسوا مجرد أصحاب ثروة أو نفوذ، بل مصابون بمرضٍ نادر يُدعى “الثراء النفسي”، ذلك الغرور الفرعوني المُتبَّل بنكهةٍ عصرية من التفاخر وقليلٍ من الكوميديا المُحزنة.

 

 

نفسية المتعالي هي في الحقيقة مسرحية من ثلاثة فصول و يسدل الستار !

 

نفسياً الدراسات تُخبرنا أن هذه ليست مجرد هفوة شخصية، بل انحياز إدراكي يُحوّل الأنا إلى بالونٍ مُنتفخ، أنا يتضخم يتضخم..و يتضخم ! ليصبح جاهز للانفجار عند أول إبرة نقد. إنهم يعيشون في مسرحيةٍ تراجيكوميدية، بثلاثة فصولٍ مُضحكة ومُرعبة في آن:

 

 

الفصل الأول”أنا مولاي السلطان ”

هؤلاء يعيشون في عالمٍ موازٍ حيث القوانين مجرد اقتراحاتٍ لا تُناسب هيبتهم. عقلية “تعرف أنا شكون؟” هي شعارهم الرسمي، يتخطون الطوابير، يتجاهلون الغرامات، يستصدرون التراخيص ويتصرفون وكأن الكون مدينٌ لهم بكرسيٍ ذهبي في كل مكان. تخيّلهم وهم يقودون سياراتهم الفارهة في حارة المشاة، مُلوّحين بأيديهم كأنهم يمنحون العامة شرف رؤيتهم!

الفصل الثاني”أنا الفقيه مول البَلغة”🙂‍↔️

في قاموسهم، الأخطاء للناس “العاديين”، أما هم فمُنزّهون عنها. لو تجاوزوا القانون، فالقانون هو المُخطئ لأنه لم يُصمّم ليتناسب مع عبقريتهم. لو أشار إليهم أحدهم بخطأ، تنتفخ أوداجهم وكأنك طعنت شرفهم. إنهم يحملون دستورًا شخصيًا، مكتوبًا بحبرٍ من الغرور، لا مكان فيه لكلمة “اعتذار”.

الفصل الثالث و الأخير”أنا الضحية المسكينة!”

وهنا يصل العرض إلى ذروته الكوميدية: عندما تُواجههم بنقد أو تُطالبهم بالمساءلة، يتحولون إلى نجوم دراما هوليوودية. فجأة، هم المظلومون، المُضطهدون من قِبل الحاسدين والحاقدين الذين – يا للعجب – لا يقدرون عظمتهم. تخيّل شخصًا يُوقف لمخالفة مرورية، أمام شرطي نزيه فيبدأ في خطبةٍ عاطفية عن “ظلم المجتمع” له، و اعين الحُساد وكأن الشرطي يحسده على سيارته!

لماذا يتمادون؟

 

هذا الغرور المُزيّن بالتفاخر يتغذى على تصوراتٍ مشوهة عن الذات. السلطة، الثروة، أو حتى بضعة آلاف من المتابعين على مواقع التواصل، تُضخّم هذه العقلية حتى تصبح كالطاووس، تتبختر أمام الجميع، غير مدركةٍ أن ريشها الزاهي قد يُعيقها يومًا. إنهم لا يرون أنفسهم مُخالفين، بل “مُلهمين” “سبوعة” يتجاوزون القوانين التي تُكبّل العامة. لكن، كما علّمنا التاريخ، كل فرعونٍ وله عصا موسى تنتظره، لكن.

 

ولكن لا داعي للقلق، فحتى هذا الغرور الفرعوني له علاج، إن كان المريض مستعدًا لابتلاع الدواء بدلاً من رميه في وجه الطبيب.

 

الوصفة:

جرعة تواضع يومية: التواضع ليس خيانةً للهيبة، بل سرّها الحقيقي. بدلاً من التفكير في قول ” عرفتي أنا شكون !”، جرب الإجابة عن “أنت شكون؟”، فقد تكتشفون أنكم بشر. نصيحة مجانية: المرة القادمة التي تتخطون فيها طابورًا، توقفوا وابتسموا لمن خلفكم، قد تكسبون قلبًا بدلاً من لعنة.

 

مراهم الوعي الذاتي: خذوا لحظةً للتأمل – لا، ليس في عدد متابعيكم – بل في تصرفاتكم. اسألوا أنفسكم: “هل أنا فعلاً استثنائي، أم أنني أعيش في فيلمٍ من إخراج نفسي؟” صديقٌ صريح أو حتى تعليقٌ لاذع على الإنترنت قد يُعيدكم إلى الأرض.

 

احترام القوانين كموضة جديدة: القوانين ليست أغلالاً، بل هي الأساس الذي يجعل العالم يدور دون أن يصطدم الجميع ببعضهم. جربوا الامتثال لها كما تتبعون صيحات الموضة، فقد تصبحون “تريند” الاحترام!

 

على المستوى الاجتماعي، المؤسسات هي الحارس الذي يُذكّر المتعالين بأن السماء ليست حكرًا عليهم. قوانين صارمة تُطبّق على الجميع، من الوزير إلى الفقير، تُرسل رسالةً واضحة: لا أحد يحمل جواز سفرٍ للغرور ! سَحبوه !؟. أما التعليم والإعلام، فيمكنهما نشر ثقافة المساواة و النزاهة، لتذكير الجميع بأن العظمة ليست في التفاخر، بل في الإنسانية.

 

منظور أوسع : التواضع هو التاج الحقيقي

في النهاية، المساخيط (المتعالون)قد يظنون أنفسهم فراعنة العصر، لكن التاريخ يضحك آخرًا. العروش الوهمية تتهاوى، والقوانين تبقى. التواضع لا يُضعف الهيبة، بل يصنعها، لأن أعظم من يمشي على الأرض هو من يعرف أنه جزءٌ منها، لا سيّدها. فدعونا نترك الغرور لأبطال الأفلام السيئة، ونعيش كبشرٍ يتشاركون عالمًا واحدًا، تحت مظلة قانونٍ يحترمه الجميع… أو على الأقل، يحاولون!

أم ان هناك هيبة أعضم من ان تكون إنسانا حقيقياً؟

 

أخبرني!

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .