مستقبل الصحافة الوطنية ..بين الخلافات الداخلية والطموح نحو استقلالية أخلاقية
في ظل الجدل الذي أثاره تسريب فيديو من اجتماع لجنة الأخلاقيات بالمجلس الوطني للصحافة، برز سؤال أساسي -انتظر طويلاً- حول مستقبل الصحافة الوطنية، هل يمكن لمؤسسة التنظيم الذاتي أن تتحول إلى دعامة حقيقية للديمقراطية، مستقلة عن التيارات السياسية و سلطة المال وملتزمة بأخلاقيات مهنية تخدم المجتمع قبل كل شيء؟
الخلاف الذي اندلع مؤخراً بين يونس مجاهد، رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، وعبد الله البقالي، عضو لجنة الأخلاقيات ورئيس لجنة البطاقات، ليس مجرد نزاع شخصي، بل هو انعكاس لتحديات عميقة تواجه القطاع.
هذا الجدل، الذي وصفه مجاهد بـ”بروباغاندا”، يفتح الباب لتحليل يتجاوز السطحي ليصل إلى جوهر الإصلاح المنشود.
بدأت الأزمة مع تسريب فيديو يظهر نقاشات داخلية في لجنة الأخلاقيات، حيث اعتبر البقالي أن هناك “استهدافاً واضحاً” للصحافي حميد المهدوي، الذي واجه قراراً تأديبياً من المجلس.
في تصريح مصور كسر فيه البقالي صمته، تبرأ من المسار الذي اتخذته اللجنة، مشيراً إلى أنه انسحب من اجتماع الجمعية العمومية اعتراضاً على رفض تجديد بطاقة الصحافة للمهدوي، رغم استيفائه للشروط اللازمة.
هذا الخروج لم يكن هامشياً، بل جاء من عضو في قلب اللجنة المسؤولة عن القرار، مما كشف عن انقسام داخلي واضح داخل المجلس، وأثار تساؤلات حول شفافية الإجراءات ومدى تأثرها بضغوط خارجية.من جانبه، رد مجاهد في تصريح مطول مصور، نفى فيه بشكل قاطع أي استهداف أو تآمر ضد المهدوي، مؤكداً أن قرارات المجلس قانونية، أما اتهامات البقالي فوصفها بأنها تفتقر إلى الحجج والبراهين.
وصف مجاهد العبارات المتداولة في الفيديو المسرب بأنها مزاح بين الأصدقاء، لكنها لا تليق بمقام الأعضاء، محذراً من أن نشر مثل هذه التسريبات يعد “عملاً غير قانوني” يهدف إلى تشويه سمعة المجلس.
ورغم هدوء أسلوبه، إلا أن الرد يبدو محاولة لتطويق الارتباك الداخلي الذي انكشف للعلن، مع التركيز على الحفاظ على وحدة المؤسسة. مجاهد ذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أنه سيكشف جميع الملابسات بعد مرور عامين، احتراماً للقانون والمجلس، مما يشير إلى أن هناك كواليس أعمق قد تكشفها السنوات القادمة.
هذا “الوعد” من رئيس اللجنة المؤقتة يعكس رغبة في الشفافية، لكنه في الوقت نفسه يؤجل المواجهة، مما يزيد من الغموض حول طبيعة النقاشات الداخلية. لان الخلاف ليس مجرد صراع أفراد كما يبدو للعموم، بل هو مؤشر على الهشاشة في استقلالية قطاع الصحافة الوطنية.
المجلس الوطني للصحافة، الذي أنشئ كدعامة للديمقراطية، يواجه اتهامات بأنه أداة للضغط السياسي، خاصة في قضايا تتعلق بصحافيين ناقدين مثل المهدوي. الاستهداف المزعوم، سواء كان حقيقياً أم لا، يذكرنا بأن الصحافة المستقلة يجب أن تكون محمية من التدخلات الخارجية، سواء من الحكومة أو التيارات السياسية.
في هذا السياق، يبرز دور الأخلاقيات كأولوية ..فاللجنة المعنية بـ”الأخلاقيات” نفسها أصبحت محور فضيحة، مما يسائل مدى التزامها بمبادئ النزاهة والحياد. إذا كانت النقاشات الداخلية تتضمن “مزاحاً” يمكن تفسيره كتحيز، فكيف يمكن للمجلس أن يفرض أخلاقيات على المهنيين إذا لم يلتزم بها داخلياً؟
من منظورنا و باعتبارنا صحافة الحلول، يمكن لهذه الأزمة أن تكون فرصة لإعادة بناء مستقبل الصحافة الوطنية. إذ يجب تسريع إخراج مشروع القانون الجديد للمجلس الوطني للصحافة، كما ناشد مجاهد، ليضمن استقلالية حقيقية عن السلطة التنفيذية ويحدد آليات شفافة لمعالجة الشكاوى.
تعزيز الأخلاقيات يتطلب تدريباً مستمراً للأعضاء وآليات رقابة داخلية تحول دون التسريبات أو التحيزات.
يجب أن تركز الصحافة على خدمة المجتمع، من خلال تغطية قضايا اجتماعية واقتصادية بعيداً عن الصراعات الشخصية أو السياسية.
في نهاية المطاف لا يسعنا ان نتحمل اكثر، فإذا استمر الخلاف دون حل جذري، قد يفقد المجلس مصداقيته، مما يهدد بتراجع حرية التعبير في المغرب.
منظور أوسع :
مستقبل الصحافة الوطنية يعتمد على تحولها إلى مؤسسة أخلاقية مستقلة، تخدم المجتمع بموضوعية وشفافية. الجدل الحالي، رغم مرارته، يمكن أن يكون بداية لإصلاح يعزز الديمقراطية، شريطة أن يتعلم القطاع من أخطائه ويضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
Comments ( 0 )